تأملات ذاتية ورؤى فلسفية قي بيت الشعر بالشارقة
ضمن نشاط منتدى الثلاثاء، وتماشياً مع دوره الريادي في خدمة الشعر والثقافة، نظم "بيت الشعر" بدائرة الثقافة في الشارقة يوم الثلاثاء 13/ سبتمبر/2022 أمسية شعرية حافلة بالجمال، جذبَ ضوؤها جمهوراً محباً للقصيدة امتلأت به قاعة المنتدى.
واحتفت الأمسية بالشعراء: حسن جلنبو، وعامر الدبك والكتور محمد بشير الأحمد، بحضور محمد القصير، مدير إدارة الشؤون الثقافية، ومدير البيت الشاعر محمد عبدالله البريكي. وقدمها الإعلامي وسام شيّا، الذي أشاد بدور البيت في إثراء المشهد الشعري، وبمجهودات القائمين عليه، وحرصهم على تنظيم الفعاليات التي تمدّ جسور الصلات بين الشعراء وجمهور الشعر، عبر منبره العامر.
وتنوعت اشتغالات الشعراء فيما قدموه، بين مواضيع عدّة، كان الوطن أسماها وأكثرها حضوراً، مستصحباً في ضوئه هواجس الغربة والحنين، فضلاً عن الحب وأشواقه وما يلهمه للشعراء من بوح وشجن، ولم تخل النصوص من التأملات الذاتية، والرؤى الفلسفية العميقة، والحكمة التي تشدو للحياة الأجمل والأسمى في ظل القصيدة. ولاقى الشعراء المشاركون احتفاء وتفاعلاً كبيرين من الجمهور الذي قابل شدوهم بالتصفيق وعبارات الاستحسان، في أجواء تثاقفية حميمية، تغري بمواصلة الفعاليات واللقاءات على ضفاف الشعر والأدب.
افتتح القراءات الشاعر عامر الدبك، بقصيدة يصف فيها تجليات القصيدة في عوالمه، وسيره المستسلم خلف هواها، وصولاً إلى ذروة الشعر، جاء فيها:
تُشكّلُني كما شاءتْ يداها
وتَفْتِنُني .. أسيرُ على هَواها
أُعرّي صمتَها كالماءِ حيناً
وحيناً تَنْجلي بَوْحاً وآها
تُشكّلُني القصيدة ُكيفَ شاءتْ
لأتْبَعها إلى أقْصى ذُراها
تشيرُ.. أقولُ مَوْلاتي فَتَتْلو
وصاياها وتُبْحِرُ في مَداها
ثم توارت ذاته خلف رمز النّاي الذي ترتديه قناعاً يصدح بصوت العشّاق الذين تفيأوا ظلالَ ذاكرته/ قصيدته، حين وجدوا فيها ما لامس قلوبهم وحنينهم، فاتخذوها متّكأ لأوجاعهم. مشيراً بذلك إلى حقيقة تبنّي الشاعر لأوجاع الآخرين وهمومهم، يقول قي قصيدة أخرى:
أنا لَستُ إلّا صوتَ مَنْ عَشقوا
وتفرّقت بخطاهم الطُّرقُ
يتوسّدون خيالَهم فإذا
هاموا على هَدْي الهوى احْترَقوا
فكأنّهم ظلٌّ لذاكرتي
وبغير طيْفِ الحُلْم لَمْ يثقوا
فإذا لمستُ شَغافَهم صمتوا
وإذا لَمستُ حنينَهم شهَقوا
تلاه الشاعر حسن جلنبو الذي اتّخذ الشعر صديقاً يبثّه شكواه وهموم غربته، ووطنا تأوي إليه نوارس أحلامه، يقول:
أنا الغريبُ ومُذْ عشرين قافيةً
أراودُ الشعرّ عن صحوي وعن مَطري
يا سيّدي الشعر، بعْضي ليسَ يعْرفني
مُذْ خطَّ لي الدّهرُ في سِفْر النّوى قَدري
أنا الغريبُ وهلْ إلاكَ لي وطَنٌ
آوي إليه على "عُطلٍ" من البشر
ثم قرأ نصوصاً أخرى حلقت بالمستمعين في عوالم الرومانسية والرقة والعذوبة، نقتبس منها قوله سائلاً حبيبته أن تحدّثه عن الشتاء الذي طالما ألهمت لياليه الشعراء وأذكت شجونهم:
حدّثيني عن الشتاء قليلا
وعنِ الثلج كيفَ كانَ جَميلا
حين أمسكتِهِ بكفيكِ حتّى
ذاب يرجو البقاء معْك طويلا
كما حضر الشتاء مجدداً محملاً بالحب والشجن في قراءة الشاعر د. محمد بشير الأحمد، الذي وصف لقاءه بحبيبته شتاء بقصيدة جاء فيها:
قالــــت أحِــبُّك يا فتى
يومَ التقينــا في الشّـتا
تحـْــت المظلَّةِ وَحْدنـا
مِــنّــا الزَّمـــانُ تَفـلَّتا
مَسَكـــتْ يديَّ بلـــهفةٍ
رجفتْ يــدايَ وذابَتــا
قالـــت ألستَ تُحبُّني؟!
هجمَ الســؤالُ مُباغِتا
ثم شدا تحنانه على قيثارة الزمن، شاكراً ومعاتباً، وصامداً مزهراً رغم المحن وقسوتها، في قصيدة يقول في افتتاحيتها:
شكراً لضنٍّ من التّحنانِ علَّمني
سرَّ التبرعم في دُنيَا من المِحنِ
ثم يواصل في العزف ململماً ضحكة حبيبته في سلال أحلامه، ومدركاً جمال الشدو على قيثارة الحب:
لولا نصاعةُ حُلمي ما شُغلتُ بهِ
عمّدتُ منبتهُ من قبل أن يَحنِ
كانت تقولُ إذا لملمتُ ضحكتَها
من وجهِ سوسنةٍ عُلويَّةِ الفِتَنِ
أدركتَ أغنيةً ما كان أعذبها
لولا رهنت لها قيثارة الزمنِ
وخنم قراءته بعدة نصوص متنوعة لاقت استحسان الحضور، وجملت الختام.
وفي الختام كرَّم محمد القصير، الشعراء المشاركين ومُقدّم الأمسية، بحضور مدير البيت الشاعر محمد عبدالله البريكي.