لماذا سمي صنبور الماء باسم "الحنفية"؟
قال محدثي -بمرارة-: هل تعلم لماذا سمي صنبور الماء باسم "الحنفية"؟ هل تعلم أنها نسبة إلى المذهب الحنفي؟! فحين اخترعت الحنفية رفضها الفقهاء وحرموا الوضوء منها، ولعاً منهم بالجمود على كل قديم!.. ولم يقبلها إلا فقهاء الحنفية، فنُسبت إليهم!
قلت لمحدثي: نعم، سمعت بهذه القصة، التي لا أدري صحتها من عدمها.. ولكن دعني أبسّطْ لك المسألة بلغتنا المعاصرة:
هل تعلم أنه في كل دولة توجد هيئة تُعنى بالمعايير والمواصفات؟ وأن مهمة هذه الهيئة هي التأكد من كل جديد مستورد، هل يطابق المواصفات القانونية المعتمدة فيقبل، أم يقصر عنها فيرفض.
إذا كنت قد سمعت بها، فاعلم أن الفقهاء هم المسؤولون عن المواصفات والمقاييس الشرعية في كل أمر جديد يحتاج إلى التصريح بإباحته أو حرمته.. وهذه الحنفية التي تراها الآن من الضروريات، كانت في يوم ما أمرا جديدا بالكلية!
وعليه فلا يمكن للفقيه أن يصدر لها شهادة مطابقة، ما لم يتأكد من مواصفاتها، فيعرف مثلا هل تؤدي مواسيرها إلى تغير الماء عن الطهورية؟ وما مصدر الماء الآتي منها؟ وهل المشرف عليها مسلم أم عدو؟ الخ.. وكل هذا على افتراض صحة هذه القصة المتداولة.
وقس على ذلك ما يقال في شأن ظهور المطابع.. وغيرها من كل مستجد حديث.
نعم، لا شك أن من فقهائنا -ومن مثقفينا في كل مجال- من كان مسؤولا عن ترسيخ التخلف الذي ألقى بكلكله على الأمة.. لكنّ مما تدل عليه هذه القصة وأمثالها: أن لدينا سببا آخر لمزيد من استمرار التخلف؛ ألا وهو شعور كثير من مثقفينا بالإدانة الذاتية، واستعدادُهم لتفسير كل قصة أو حدث من خلال جهاز القراءة المركّب في أدمغتهم بأيادي المستعمر.. وهو جهاز يرى في كل ماضينا ظلاما دامسا، وفي كل جزئية من تاريخنا سببا كافيا للشعور بالعار، واستحقاق البقاء في ذيل الأمم.