عبقرية المفكر ين.. بدي ولد ابنو مثالا/ النجاح بنت محمذفال
أهداني الشاعر الروائي المختار السالم بقدر من الإزعاج كتاب:
المثقف والتلفزيون إشراف بدي ولد ابنو..
كان الوقت آخر النهار لكن درجة الحرارة تسطو على همس المساء .. ولكن صدي الهدية كسف جلباب الإزعاج !
أما عن محتوى الكتاب فهو عبارة عن مناقشات شارك فيها كتاب وإعلاميون عرب : بدي ولد ابنو نفسه ؛عبد الباري عطوان و آخرون .
بعد ان اختلست من شح الزمن علي والدتي لحظات التهمت فيه أول مقال في هذا الكتاب للمفكر بدي ولد ابنو، خرجت منه بالملاحظات التالية :
يتحسر المقال على اتساع الفجوة
بين الثقافة و الفكر من جهة مع الوسائط الإعلامية الحالية ؛ الأكثر انتشارا كالإعلام الفضائي التلفزيوني ، من جهة أخرى ، والتي تزداد اتساعا مما يعني أن فضاء الثقافة والفكر في العالم العربي يتضاءل شيئا فشيئا في تناسب عكسي مع اتساع الفضاء الاعلامي التواصلي الاعتيادي و الرقمي معا.
يذهب المقال الى أن الوسائط
الإعلامية التقليدية جاء كل منها تطورا للآخر مما ولد علاقة حميمية بينها ففي حين كانت الصحيفة تطورا للكتاب كانت الإذاعة صحيفة مقروءة أو منطوقة ..
فلماذا لا نحصل على نفس النتيجة ؟
و الحال أن التلفزيون يمكن أن ينظر اليه ايضا كصحيفة منطوقة حسب بعض الرؤى التي كانت تتصور التلفزيون مشروعا تثقيفيا وتعليميا تحرريا .
وهي الرؤى التي "بمقتضاها ينظر الى التلفزيون باعتباره صحيفة منطوقة و مرئية تزيد كما و كيفا مجال تأثير الاعلام الاذاعي ليصبح مدرسة شعبية مضاعفة التأثير"
يطرح المقال الإشكال الرئيس وهو
هامش الثقافة و الفكر في الفضائيات العربية ، معترفا بدور الإعلام في تعميم النطق بالفصحى و تفصيح العاميات و لكنه أيضا مستشعرا قصور الإعلام فيما يتعلق بديناميته مكتوبا و مقروءا الأمر الناتج في نظره عن تراجع مؤشرات القراءة تحت وطأة بنيات سياسية تكرس الطابع الاوتوقراطي لأنظمة تشهد فيها الحريات العامة اتحسارا و تهيمن فيها - اعلاميا - امبراطوريات بترودولارية ..
كل ذلك أدى الى عدم قدرة التلفزيون على اداء دور الإعلام المكتوب بل و حتى المسموع نظرا لتفوق عوامل التسلية و الخطابة من اجل الترويج ، فيتم عندئذ اختزال التلفزيون في بعدين هما تمجيد الحاكم و الإشهار للسوق ، يقول بدي:
"وبذلك ساهمت هذه العوامل في تحجيم البعد التثقيفي المرتبط عضويا بالفكر و التفكير النقديين بل و في تحجيم البعد الاخباري للإعلام لصالح بعدين متضافرين هما الخطابة و التسلية كأداتين لترويج استهلاك الدعاية الرسمية و معها المنتج الرأسمالي المعولم".
يخلص المفكربدي الى أن كل هذه
الأمور جعلت القارئ يتساءل :
هل تحطم حلم المدرسة التلفزيونية وكرد على هذا التساؤل يرى الدكتور بدي أن البرامج التثقيفية التلفزيونية التي كان ينظر اليها على أنها مقاومة للنموذج الاعلاني المسيطر اصبحت هي نفسها تنتمي الى هذا الاطار التلفزيوني الذي يحكمه " قانون عدد المتابعين" مما يحتم عليها دمج محتوياتها داخل مفردات السوق الاعلانية فأين المفر إذا؟
ذلك تساؤل سبقني اليه المفكر بدي
حين نظم لقاء بروكسل الذي جمع نخبة الاعلاميين و هم في نظر الباحث بدي مدعوون إلى أن من هم متخصصون في مساءلة غيرهم ، عليهم أن يسائلوا أنفسهم " يسائلون اسئلتهم و بالتالي يسائلون ممارستهم كإعلاميين من حيث هم كذلك وككل تفكير بصوت عال".
إنها دعوة لا تقتصر علي متتد ي بركسل بل تتعداه ه إلي كل قارىء بأن يستنهض ما لديه من قدرات تفكيرية نقدية تسمح له باستئناف التفكير النقدي حول مكانة الثقافة والفكر في الوسائط الإعلامية الحديثة ..
فهي بوضوح شديد دعوة يقول عتها المفكر بدي "إنها تطمح إلي تحفيز التفكير النقدي العمومي حول مستقبل المشروع الثقافي والفكري في الفضاء التداولي المشترك للمنطقة ، الذي اصبحت وسائطه الأساسُ هي الوسائط الإعلامية لاسيما في صيغتها المنطوقة والمصورة تلفزيونيا أورقميا "
ويبقى سؤال آخر هل تعد الهواتف الذكية تطورا لدور التلفزيون بحيث هي إعلام سمعي بصري يدوي في حين كان الإعلام التلفزيوني سمعيا بصريا مقتصرا على توظيف الأسماع والأبصار دون الأيدي اما ظرافة ثورة الهواتف الذكية وقدرتها علي ان تكوز ظئرا للكوميوتر والتلفزيون معا ، فقد ابقت التلفزيون بعيد خارج الاحتضان ، مما ساهم في انحسار دوره الإعلامي ، بل وحتى الإعلاني !
هل يعود ذلك لكونه لم ينجز حميمة العلاقة بينه مع ربيبته التلفزيون تلك الحميمية التي اعتبرها المفكر بدي في مقاله هذا اساسا لنجاح الصحيفة كبديل عن الكتاب ونجاح الإذاعة كبديل عن الصحيفة ، وحين افتقدت التلفزيون تلك الحميمية مع ربيبته انهار دوره النقدي والتثقيفي أمامها وغيرها من العوامل التي عرض لها المفكر بدي ابنو .
هل يتطلب الامر استراتيجة إعلامية جديدة لا تبقي التفكير النقدي والتثقيفي حبيس وسيلة اندثرت او تكاد ؟ وحلت محلها آلة - ثورة تجتاح أيادي العامة ؟
وإلي اي حد يؤثر ذلك علي الامن والتنمية في منطقتنا ؟