تعزية صالون الولي محمذن ولد محمودا في فقيد الامة الدكتور محمد المختار ولد اباه 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كانت الصدمة عظمى وكان المصاب أعظم : عبرة تخنق وعبارة تخون وعقول في ذهول وأفئدة هواء : ذلك بعض ما اعترانا واعترى غيرنا عندما قرع الآذان انتقال الشيخ الدكتور محمد المختار ولد اباه إلى جوار ربه تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته .

ولئن كان الدكتور محمد المختار ولد اباه قد ولد يوما من أيام سنة 1924 كما ولد ويولد جميع الأطفال فإنه ولد لأب ليس ككل الآباء ولأم ليست  ككل الأمهات فكان طفلا ليس ككل الأطفال وبلغ رجلا ليس ككل الرجال وشاب شيخا ليس ككل الشيوخ.
هكذا كانت رحلة الأستاذ وأستاذ الأساتيذ الدكتور محمد المختار ولد اباه مع الحياة قرنا من الزمان ظل طواله مولعا بالرحلة والترحال. بدأ رحلة العلم والتعلم مع القرآن وهو ابن خمس وانتهى منها وهو ابن عشر. ثم تابع الرحلة مع المحظرة فنهل منها وعلَّ ما شاء الله. ولكنه بقي على عطشه فاتجه صوب العلوم العصرية فعب من معينها حتى تضلع. ثم ولى وجهه شطر اللغات فتملك منها لغتين هما لغة المتنبي العربية  ولغة موليير الفرنسية وسرعان ما لحقت بهما لغتان تُغذان السير هما الإنكليزية والعبرية فكانت اللغات أربعا بالتأكيد وقد تكون أكثر.

اختمرت كل تلك العلوم والمعارف في حضن عبقرية فذة فكانت المصنفات الكبيرة والكثيرة والمتنوعة من قرآن وسنة وفقه وأصول وتصوف وترجمة وسيرة نبوية شريفة وذاتية طريفة وآداب وشعر باللسانين العربي والفرنسي. 
وكانت  السياسة والنضال والتضحية. ثم الخلاص والمجد والمناصب السياسية والعلمية السامية والجلوس مع عظماء العصر فكان بتقوى الله وفضله أعظم منهم جميعا وأفضل. وكان غير ذلك مما يضيق عنه المقام ويحار فيه "التخمام".

 ومع رحلة المائة عام هذه ظل الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد اباه يجتهد في توظيف  كل دقيقة من هذا العمر الطويل  في ما يُرضي المولى تبارك وتعالى  ويُعلي مقامه هو في الجنة وفي ما ينفع الناس ويمكث في الأرض. وكان قلبه أكبر من كل ذلك: فقد عاش متصوفا فانيا في الله محبا للرسول الكريم مجلا له يحب الخير لي ولك ولكل الناس  ولم يكن يغضب لغير لله.

كان رحمة الله عليه عزيز النفس أبي الضيم صبيح الوجه بهي الطلعة طيب النشر تتجه كل عيون الحاضرين  في المجلس إلى وجهه المشرق وكأنه المعنيُ بقول الشاعر :

ترى  الغر الجحاجح من قريش       إذا ما الأمر بالحدثان هالا

قياما   ينظرون    إلى   سعيد        كأنهمُ   يرون   به   هلالا

      

ومع ما جعله الله في قلبه من التواضع لله وللناس والتواضع خصوصا  للرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فإن رأسه ظل مرفوعا مشرئبا إلى أعلى سواء في جلوسه أو في مشيه. فلا يكاد يطأطئ رأسه في غير الصلاة.  فقد تاق دائما إلى أعلى العلو وأسمى السمو وذلك ما يدل عليه وَلعُه بالطيران. كان طائر "الألباتروس " يشبه الدكتور محمد المختار ولد اباه في هذه : ذلك الطائر الذي  يملك أكبر جناحين في كل طيور الدنيا.  فجناحاه العملاقان ــ كما يقول أحد الشعراء ــ  يُعيقان حركته  على الأرض ولكنه في الجو يسبح بكل انسياب وأريحية.
ولما انتهت رحلته مع الحياة ــ وفي غفلة منا جميعا ــ سبحت روحه الطاهرة صاعدة إلى العلو الأعلى في انسياب وأريحية ودون أن يُشعر أحدا منا أو يودعه  بعد أن حقق على الأرض (وفي السماء إن شاء الله ) كلما يمكن أن يتمناه أو يحلم به أعلى الرجال طموحا وهمة في دار الفناء هذه.

 وبهذه المناسبة الأليمة حقا يوجه الصالون أصدق التعازي إلى بنيه الغر وبناته الطيبات الطاهرات وإلى حضرة العلامة الشيخ اباه ولد عبد الله وسائر أسرة آل اباه ـ دوحة العلم والفضل والصلاح ــ وإلى أهل النباغية  كافة وأهل التاكلالت جميعا وإلى سائر المسلمين. وبقدر المصيبة  وبقدر صبرنا  واحتسابنا يكون الأجر إن شاء الله.  إنا لله وإنا إليه راجعون

                                                   صالون الولى محمذ ولد محمودا