في بيت شعر نواكشوط.. مقاربات نقدية حول: سلطة اللغة واقتضاء المقام
في إطار سلسلة "مقاربات نّقديّة" احتضن بيت الشعر- نواكشوط، مساء اليوم الخميس 23 مايو 2024 جلسة نقديّة تحت عنوان " تحليل الخطاب بين سلطة اللغة واقتضاء المقام"، بدأ المحاضرة رئيس الجلسة الأستاذ الدكتور أبّوه أعمر، وهو أستاذ ودكتور بجامعة نواكشوط، وقد مهّد للمداخلات بمقدمة تاريخيّة تناول فيها المقامات النقديّة المختلفة في السياقين العربيّ قديما ونظيره الغربيّ حديثا، رابطا بين تطوّر المفاهيم والاصطلاحات من مدرسة إلى مدرسة، ومن حقبة إلى أخرى، إذ اعتبر أنّ تحوّلات تاريخيّة وآليّات نقدية انتقلت بالخطاب من وعاء السياق وسلطة اللغة إلى فضاء الفكر وحرية المعنى، فالاقتضاء على حدّ تعبيره ممارسة وليدة التّأويل ومستويات التّلقّي، معلّلا ذلك برؤى البلاغيّين العرب والمشتغلين بالمعنى النّحويّ.
أما المتدخل الثاني في الجلسة فكان الدكتور محمّد قاري وهو كاتب وباحث من مواليد ألاك 1982، مشتغل بالأنساق اللغويّة الحديثة والتّطوّر المعرفيّ للأنحاء الفكريّة للّغة وآدابها، حاصل على الإجازة في اللغة العربية- جامعة نواكشوط، وشهادة الدّراسات المعمّقة في مناهج البحث في الأدب واللّغة من نفس الجامعة، وينتظر مناقشة أطروحته للدكتوراه خلال أسبوع، وقد نُشرت له عدة دراسات وبحوث من قبيل: "شعريّة التساؤل في نماذج من شعر الحسانية" و "تشكّل الْمَعنى في رائيّة محمدو بن محم (دراسة لسانية لواسمات الاتساق المعجمي والتركيبي).
وقد عبّر في محاضرته التِي خصّها بمقاربة "أنموذج من شعر محمد بن محمدي؛ رائيّته: زارت عليّ على شحْط النّوى سحرا" مركّزا على تعميق النّظر في أدوات الاتّساق المعجميّ والتّركيبيّ، وآليات السّبك الإحاليّ التي يراها إطارا تحليليّا مناسبا للنّصّ، راصدا فاعليّات التّضادّ والتّضامّ وما تخلقه من تماسك، ممثّلا لرصده بالبنى السطحيّة وما يوزايها من أخرى عميقة، موضّحا إلى أنّ لسانيّات الخطاب تسعى إلى الانسلاخ من سلطة الافتراض إلى أفق الواقع وتمثّلاته.
بعد ذلك تناول الكلام الدكتور الحسن الشيخ الحسن وهو شاعر وكاتب، له عديد من الأبحاث والدّراسات الأدبيّة والنقديّة المنشورة في الدّوريات المتخصّصة، عضو عدّة روابط واتّحادات أدبيّة وثقافية مهنيّة، مشارك نشِط بالعديد من المؤتمرات والملتقيات الفكريّة، صدرت له أعمال متنوّعة مثل: "مرافئ الحروف التائهة؛ ديوان شعر"، و " النّظريّة الشّعرية عند نقاد القرن الرابع الهجري" و"الوظيفة الإفهاميّة عند نقّاد القرنين الرابع والخامس الهجريين"،
وقد حاضر في مداخلته التي عنونها بـ"تشكّل المعنى في الخطاب الإبداعيّ بين سلطة اللّغة و اقتضاء السّياق" معربا عن أسباب تلاقح المقاربات المتناولة للإبداعات الأدبيّة باعتبارها ملفوظات لغويّة عليا مثّلت بذروتها الفنّية صورا قابلة للاستقرارات المتكرّرة والتلقّيات المتعدّدة؛ إذ يرى أنّ من خلال وسائل الاتّساق المبثوثة في النّص أسّست لانسجامه الخطابيّ؛ ممّا ينبغي معه إعادة النّظر في وسم النّصّ الشّعريّ القديم بتشتّت البنى، فليس التّنويع التّغريضيّ مؤشّر انبتات العرى الخطابيّة؛ بل هو ــ في بعض مظاهره ــ أحد مقوّمات التّنامي الخطابيّ، إن هو راعى قواعد التأليف، وأعلى مظاهر الانسجام.
واختتمت الندوة بكلمة مدير بيت الشعر-نواكشوط أ.د. عبد الله السيّد الّذي رحّب من خلالها بضيف السّفارة الفلسطينيّة مضيفا أنّ :<< الخطاب الّذي لا يمكن أن تحيط به المقاربات والدّراسات هو خطاب الشّعب الفلسطينيّ الذي تؤدّيه البندقيّة ويجسّده الصّبر الفلسطينيّ والصّمود النضاليّ لمقاومته>> ،وانتهت النّدوة بتعقيبات المحاضرين على أسئلة الجمهور التي تدور في مجملها حول السياق والتحليل وأنماط الخطاب، منوّعين الآراء كلّ بحسَب المنهج الفكريّ الذي يستند إليه والخلفيّة النقديّة التي ينظر من زاويتها، والتقاط صورة تذكاريّة جماعيّة وسط حضور إعلاميّ بارز.