سلام على حسني / شعر: المختار السالم
في رثاء أخي ورفيقي الشاعر حسني ولد شاش رحمه الله
رحلتَ وفي ذي الحجّةِ اجتمعَ الـمَعْنى
فداءً، أيفدي الشّعرُ يا شَاعرَ الـمَعْنى!
ومنْ لـخليْلٍ كانَ حَسْني مُصَابَهُ؟
وبال؛ وقدْ شدَّ الـخَبَالُ له رسْنا؟
فقدناك يا روحَ الشُّمُوعِ وسِرَّها
وأسماءَها إنْ أطفأ الرّيح ما يكنى
فقدْنَا خلِيلاً مُسْرِفاً في شُعُورنا
نبيلاً أصيْلاُ أدْركَ العزّ ما عناَّ
عنيتُ الذي يعنى وحقِّكَ عاتباً
على الدَّهْرِ إنَّ الدّهرَ أوْجَعنا حُـزْنا
رحلْتَ فلا التّاريخُ يدْركُ حُـزْننا
وما الدّهرُ إلا عامُ حزْنٍ لـمنْ غَـنى
وكلّ الذي حولي يناديكَ.. والأسى
قليلٌ على حالي الذي شَطَّ في الـمَعْنى
بكيتُـك حتّى خلتُ من كُـثْـر أدْمُعي
جميعَ الذّي حَولي ومِنَّي غداَ جفْناَ
كثيراً من الـحُسْنى كثيراً من العلا
أخذْتَ على خُلْقٍ إلى دَارِكَ الـحُسْنى
فطبْعك أنْ تَرْوي المعاطنَ بالنَّدى
وأنْ تطفئ الظلماءَ بالجذوةِ الأسنى
وأنْ ترْفَعَ الشّأنَ الرّفِيعَ سجيةً
ولا تبتـغي من أيِّ منْـزلةٍ شأنا
وطبعك يبقى طيبةَ النفس، حلمها،
تحلُّجها خيراً، تصوفها حُسْنا
وطبْعكَ أنْ تُنمْى إلى الـحَـقِّ ما له
وأنْ تهتدي صَبْراً ولا تَتـْبِع الظَّنا
وأنْ تَحملَ الهَمَّ الكَبِــيرَ لأمَّةٍ
تُـقتَّلُ ما مَــنّتْ عليها يَــدٌ دفْناً
تعاورها الدّهْرُ الكئيبُ، فأصبحتْ
بقايا من الذَّكْرى... لما كانَ أو كنا..
وعزتْ عليكَ القُدْسُ تُسْبَى بأسْرها
ومن "طُلقاءِ" العربِ من باعها رهْنا
فغنِّيتها منْ عَبْـقَـرِ الشِّعْرِ رائقاً
على مثلهِ من سُنَّةِ الشِّعْـرِ ما سُنَّـا
فيا شاعر الأقصى وأحزان روحهِ
على القدس، إنْ يفنى الفناءُ فلا تـفنى
ألمْ تُـنْشِدِ الأحبابَ حَرْفاً مُباركاً
وترقي بنا من أعْوَصٍ الهَمِّ ما جنَّا
وغنيت للأرْض التي "اخْضَرّ جُدْبُها"
يَـزمْزِمُ إسْمَاعيلها في أبٍ "إبنا"
وكنَّا على الـجَمْرِ اصطبرْنا طريقَنا
وَضِيئاً فما فيْنا الـمتاهُ ولا مناّ..
لتُرْضِع عنّا الدّهْرَ كُلُّ حَلِيمةٍ
وتَمنحَهُ سِبْطاً وتَجْعله يُمْنا
فهلْ يا أخِي تنْسَاكَ يوماً قصائدٌ
تَحنَّكْتَها لَحْناًّ وقـفّيتَها فنَّـا
لك الخُلدُ لا تَـفْنى وشعرُكَ صَادِحٌ
وَهَيْـهَاتَ أنْ تَـفْـنَى.. وَهَيْـهَاتَ أنْ تَـفْـنَى
سترفع نبراسَ الـمعالم ما تِـهْنا
وتحضر في عزّ المواقفِ ما غبْنا
وقالوا إذا عن أرْضِهِ ارتحلَ الفتى
سليلُ قُريشٍ لم تعدْ دارُها مَـغْنى
فمنْ ذا لأرْضٍ كُنْتَ من عَـذْب مائها
وكنْت لها جَذْراً وكُنْتَ لها غُصْنا
وكنتَ تُـغنيِّ من أريْج حُـقُولِها
وربْـوِ رباها.. طلحها.. سهَلها الأضنى
وطوَّحْتَ في أزجَالِها وزَمَانها
ومن كِـبرياءِ العِـزِّ أضوَيْتَها رُكْناَ
فقدْنَاكَ يا حَسْني وكنْتَ بقيةً
لآلِ العُلى أعلاكَ ربِّي.. فلا تَــدْنا
فمنْ بعْدِكَ الأزْجَالُ دَمْعٌ ربَابُها
وإيقاعها قَــرْعٌ بأبدالهِ ضِعْنا
وبعدكَ لا نَخْلٌ نطاولُ ظلّهُ
ولا نَسْمةٌ تُلفى ولا ثَمرةٌ تُجنى
وبعْدَكَ لا تَحْلو حكَايةُ شَاعِرٍ
ولا مَطْلَعٍ عن ذكْـرِ أرْوى ولا لبْنى
تَرحّل كلّ الحُسْنِ لو أحَــدٌ دَرى
مُصابكَ ما بالحالِ كنّا وأصْبَحْنا!
فإنْ عُـدْتَ يا غالي لتَخْلدَ في الرُّؤى
فنحْنُ حزانى ما إلى الرّشْدِ قدْ عُدْنا..
وهلْ تُونسٌ تَـدْري ليُوسُفَ إخْوَةٌ
وكم من أخٍ عن يُوسفِ الحبِّ ما أغنى
سلام على حسني.. على الشَّاعر الأسنى
على قامةٍ تُحْنى الجبالُ ولا تُحْنى..
سلامٌ على أحلامِكَ البيْضِ لم تعدْ
لنا في منامِ العَيْنِ، هذا إذَا نِمْنا!