كتبت الشاعرة الكبيرة مباركة بنت البراء: أصوفي أنت أم عاشق يا صاحب الظلال؟
كلما أطالع عمود الأستاذ المختار السالم في ظلال الحروف تسحرني تلك القدرة الفريدة على البناء الأسلوبي الذي يرتفع بالكلمات إلى فضاء الشعرية المحملة بالصور والتثوير المستفز والمغري للغة.
الأستاذ المختار السالم أحمد سالم الروائي والشاعر الذي تغني المكتبات إصداراته الإبداعية تباعا سردا وشعرا،
إلا أن ظلال حروفه تمثل الكأس المترعة بجمال اللغة والحفر في المكان ومشاغبة القارئ والسفر في تضاريس الأرض تلالا وجبالا، أنجادا ووهادا، طلحا وبشاما، أناسي وتراثا.
" إنه خليل الشرود وقرينه الدائم في السفر من أرض إلى أخرى"
يتنقل بالقارئ منقبا في هذه الصحراء الولود المعمورة بالأسرار والمحملة بأجنة الخَلق، ويكتب متوحدا باللغة البكر، ماتحا من ينابيع الحداثة مؤصلا في شجرة التراث الوارفة.
ظل منغمسا في الأرض يتفيأ عطرها الطفولي، ويعيد تأثيثها بحكاياتها التاريخية، وأمجاد ذويها، يغمرك باللقطات السردية كلما تفيأت ظلال حروفه وأمعنت في تتبع خطاه، وهو يرسم إحدى لوحاته الأثرية مستنطقا البيد ومحاورا أعلاب اعواوه: " ما الذي يستمد من ربوة جرداء إلا من شجيرات قليلة ونبت يرحل مع فصله حتى أديم الربوة لا يفصح بالكثير في تفاوت حمرته وصفرته برغم أن هذا أحد تلال النحو في بلاد العيس... عند أبي الغبراء محاضر أهل محمد ولد محمد سالم وأهل عدود وأهل يحظيه ولد عبد الودود".
هو طفل الأرض وذاكرتها البتول، مسكون بالتجريب والتوق الدؤوب إلى آفاق إبداعية جديدة، متحرر من القوالب الجاهزة، والتعابير المتكلسة، يرسم لوحاته من الرمل المائج، والرياح الهوج، ومواكبة اليومي،
وهل الكتابة سوى تلك القدرة المتقنة على ارتياد تعابير غير متداولة، واجتراح مغامرات أسلوبية جديدة في كل مرفأ من مرافئ الحياة؟
في ظلالك الوارفة تعبر جسد اللغة متلذذا بمذاقها الخمري، مفتونا بشذاها الفاغم، منجذبا لفتنتها الثاوية بين الألفة والاقتحام، تنفث فيها من روحك، مستمدا طيوف الشعر وظلال الكلمات، لتطلقها نجوى من وادي عبقر ترتسم أنشودة تشدو بأغاني الرعاة وحنين النوق ورغوة كؤوس الشاي:
"ذات مساء سلكت طريق القافلة بعيدا في جوف الصحراء وبحيث لا يصل علم القرى إلى ما يحل به القرى... ثم نزلت براع أخذ يروي لي بعض مشاهد حياته وكنت أرقب خيوط الدخان تصعد من تحت إبريق الشاي وأستمع إلى طنين الكسرة وقد اكتمل في الإناء إدامها من حليب ودهن وعسل"
تلك اللمسة الوجودية مستديمة في انعكاس الظلال، في تشكل الأحداث بين الواقع والتاريخ، بين الحياة والفناء.
أصوفي أنت أم عاشق يا صاحب الظلال؟