بيت شعر نواكشوط يطرح سؤال الرواية الموريتانية
نظّم بيت الشّعر- نواكشوط مساء اليوم الخميس 02 يناير 2025 ضمن سلسلة برنامج "مقاربات سرديّة"، ندوة نقديّة بعنوان "الرّواية الموريتانيّة: التّجارب والآراء"، وقد قدّم الجلسة الأستاذ الدّكتور عبد الله السيّد مدير بيت الشّعر- نواكشوط، الّذي مهّد للنّدوة بلمحة موجزة عن جنس الرّواية الأدبيّ وتفاصيل نشوئها وظهورها في الأدب الموريتانيّ بين كتّاب اللّغة العربيّة والكتّاب الفرانكفونيين، واصفا المنجز الرّوائيّ
للفريقين وفق بيئته وتيماته التي اشتغل عليها كتّابه.
وقد أحال الكلمة أوّلا إلى الأستاذ مبارك بيروك وهو كاتب روائيّ ومستشار صحفيّ من مواليد مدينة أطار 1957، حاصل على الباكالوريا الأدبيّة الفرنسيّة، والإجازة في الحقوق من جامعة محمّد الخامس بالرّباط، ونتيجة تعليمه الفرنسيّ مثل أغلب أوائل المثقّفين الموريتانيّين فقد جاءت كتاباته جميعا باللّغة الفرنسيّة، اشتغل صحفيّا وأسّس أوّل منبر إعلاميّ مستقلّ عام 1988 من خلال صحيفة "موريتانيا غدا" باللّغة الفرنسيّة، عمل مستشارا ثقافيّا برئاسة الجمهوريّة ما بين 2009 _ 2019، وقد صدرت له عدّة روايات متباينة، كانت أوّلها "ونسيت السّماء أن تُمطر" سنة 2009 ، ولحقتها أعمال روائيّة أخرى مثل: "قصص من الصّحراء" و"شاعر الأمير" و"طبل الدّموع".
وقد تحدّث في كلمته عن بداياته الثّقافيّة والجوّ العائليّ الّذي انعكس على وجدانه، متطرّقا إلى الأسفار والمغامرات الكشفيّة له ضمن فضاء الصّحراء الحسّانيّة الّتي ألقت بظلالها على العلاقة بينه والأرض، وشبّعت وجدانه بالثّقافة الصّحراويّة، ممّا خلق صراعا نفسيّا حتميّا بين شخصيّته الطّفوليّة وشخصيّته الأكاديميّة المتطلّعة إلى آفاق أرحب يرى فيها اتّساع حريّة المتخيّل الرّيفيّ، وعبثيّة المدينة المكتظّة بالمتع والرّفاه، رابطا صورة الأدب بمستوى معيّن من المعيشة يحوّل الفكر إلى حالة من الثّراء ينتج من خلالها شغف المجتمع بالقراءة وبحثه عن صورته في المادّة الأدبيّة، وقد تلا بعض الفقرات الرّوائيّة الّتي ميّزها أسلوب شعريّ كثيف ومتخيّل سورياليّ عميق.
فيما أحال الكلمة ثانيا إلى الأستاذ محمد عبد اللّطيف وهو كاتب روائيّ وشاعر موريتانيّ من مواليد 1976، ومن أعماله الشّعريّة: "أبجديّات أخرى" و"قواف وأصداء"، اشتهر بالكتابة الرّوائية أكثر، إذ يعتبر أبرز الروائيّين الموريتانيّين، ومن أشهر أعماله رواية "تيرانجا" الصّادرة عن دائرة الثّقافة والإعلام بالشّارقة عام 2013، والّتي نالت "جائزة الشارقة للإبداع العربي" – الفائز الثّالث في مجال الرّواية، كما حصد أيضا "جائزة المجلس الأعلى للثّقافة" في مصر، ضمن مسابقة "نجيب محفوظ" لعام 2019 _ 2020 لأفضل رواية عربيّة، عن روايته "كتاب الرّدّة"، وصدرت له مؤخّرا رواية "أجراس لا توقظ أحدا" عن دار سنان.
وعبّر محمد عبد اللّطيف عن وجهة نظره حول الرّواية معتبرا أنّ التحوّلات الاجتماعيّة الّتي يعيشها المجتمع الموريتانيّ المنتقل من الرّيفيّة إلى المدنيّة عاملا أساسا من عوامل تشكّل جنس الرّواية بوصفه قصّة متشعّبة تعبّر عن صورة الإنسان المتمدّن، إلّا أنّ المثل الموريتانيّ سيظلّ استثناء لقربه من الصّحراء ثقافة ومخيالا وعدم انبتاره من الموروثات العقديّة والحمولات الثّقافيّة المجسّدة لهويّة الصّحراء في الذّهنيّة الاجتماعيّة.
وقد تخلّلت النّدوة مداخلات ونقاشات أثرت الجلسة حيث عبّر كلّ من الأديب أحمدو ولد البو والدكتور محمد المصطفى ولد الحسن وباحثون جامعيّون عن بعض الآراء مثيرين أسئلة حول المنجز الرّوائيّ الموريتانيّ وإشكالاته الموضوعيّة، وقد ختم اللّقاء بصورة تذكاريّة جماعيّة لضيوف النّدوة ومدير بيت الشّعر-نواكشوط وسط حضور كبير لجمع من المثقّفين والكتّاب والدّكاترة الجامعيّين والصّحافة.