خطاب وزير الثقافة بمناسبة المؤتمر العام الثاني عشر لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين

  • Posted on: 13 November 2025
  • By: admin2

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين 

السيد رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين؛
أرباب الفكر والكلم؛
أيتها السيدات والسادة؛ 
أيها الحضور الكريم؛

يشرفني الوقوف بينكم في هذا اليوم المشرق بالمعنى الوضيء بالكلمة، لافتتاح أعمال المؤتمر الثاني عشر لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، هذا الصرح الثقافي العريق الذي ظل عبر مسيرته المباركة منارةً للوعي، وساريةً للأدب، وفضاءً يلتقي فيه ضمير الأمة بوجدانها، وعقلها بإلهامها، وحاضرها بماضيها.

إنه لمشهد بهيٌّ هذا الذي يجتمع فيه القلم والبيان، لتجديد العهد بين الأدب والإنسان، وبين الكلمة ووطنها، في بلدٍ هو في الأصل قصيدة ممتدة على رمال الصحراء، تُنشدها القوافل، وتكتبها النجوم، وتتناقلها الذاكرة جيلاً بعد جيل، لتقول للعالم إننا لم نعرف فقط بأرضنا، بل بكلمتنا التي سبقت خطانا، وبأدبنا الذي صنع مجدنا.

أيها الحضور الكريم؛

لقد ظلّ الأدب في هذه الأرض، ومنذ عديد القرون، ذاكرتنا ولساننا، وحارس وجداننا. فمن خلال الكلمة تشكل وعينا الجمعي، وبها استبانت معالم هويتنا، وعلى مرايا الشعر والنثر ارتسمت خارطة الوطن بملامحه الجميلة وقيمه النبيلة وتنوعه الفريد.
لقد كان الأدباء، وما زالوا، جنود المعنى، يذودون عن مثل الأمة باليراع، ويؤسسون للوحدة الوطنية بالمشترك الثقافي، ويجعلون من التنوع مصدر غنى لا سبب صدام، ومن الاختلاف سبيلاً إلى الحوار لا إلى الخصام.

إن اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين ظل دائما بيت الكلمة الوطنية، الذي احتضن الأصوات كلها، من الشاطئ إلى الضفة ومن التلال إلى الهضاب ومن أنگيم إلى آفطوط ومن البوادي إلى المدن، في تناغم يليق ببلدٍ صاغ وجدانه الشعرُ، وتغنّى به التاريخُ، وتسامى به الحرفُ حتى غدا جزءًا من كينونته الوجودية.

أيتها السيدات والسادة؛

لقد أولى فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني للأدب والثقافة عناية خاصة، إدراكًا منه بأن نهضة الأمم تُقاس بالدرجة الأولى بوهج فكرها، وعمق أدبها، وسموّ ذائقتها، وهي الرؤية التي عملت وتعمل حكومة معالي الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي على تنفيذها.
وفي هذا السياق فإن وزارة الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان تبذل كل جهودها من أجل إعادة حضور الأدب والثقافة في حياتنا العامة إلى سابق عهدهما، من خلال تشجيع التظاهرات الأدبية والثقافية، ودعم حركة النشر والتأليف، وتوسيع دائرة الفعل الثقافي في كل ولايات الوطن، حتى تكون الكلمة حاضرة في كل بيت ومدرسة، كما كانت في كل خيمة ومحظرة.

كما نؤمن كذلك بأن الكتابة مسؤولية وطنية، وأن الأديب، في زمن التحولات، هو البوصلة التي تذكّر الناس بجوهرهم، وتحفظ للغة مكانتها، وتبث في النفوس المعنى حين تكثر الضوضاء. فالأدب هو الذي يصوغ مشاعر الأمة، ويمنحها صوتها، ويحول الألم إلى إبداع، والحنين إلى وعي، والاختلاف إلى تناغم.

أيها الحضور الكريم؛

إننا إذ نحتفي بكم اليوم نحتفي بالكلمة ذاتها؛ بالكلمة التي قاومت النسيان، وحملت عبق التاريخ، وأبقت شعلة الوعي متقدة في النفوس عبر العصور، وإن هذا المؤتمر مناسبة لتجديد العهد مع شبابنا المبدعين، الذين يحملون الراية في زمنٍ تحمل كل شمس فيه جديدا، ليبرهنوا أن أدبنا قادر على مواكبة العصر دون أن يفقد أصالته، وعلى معانقة الحداثة دون أن يتنكر لجذوره.

كما لا يفوتنا أن نحيي المرأة الموريتانية الكاتبة والشاعرة والناقدة، التي أثبتت حضورها المبدع في الساحة الأدبية، وأسهمت بكلماتها الجميلة وعقلها الراجح في إثراء المشهد الثقافي الوطني، لتكون بحق رمزًا للوعي والضمير، وشريكة في بناء الهوية الأدبية لموريتانيا الحديثة.

أيها الحضور البهي؛

لقد وفقتم في اختيار شعار مؤتمركم هذا «القلم حارسًا لقيم الإخاء والمواطنة» والذي يلخّص جوهر رسالة الأدب ودوره في حياة الأمة؛ إذ ليس هناك ما هو أقدر من الشعر على حراسة تلك القيم وصونها؛ فهو مرآة الوجدان الجمعي، وصوت الضمير حين تخرس الأصوات، وسياج المروءة حين تتبدّل المعايير. فبالكلمة تُبنى الجسور بين القلوب، وتُستعاد المعاني الرفيعة التي تجعل من الإخاء رابطةً إنسانية وأخلاقية، ومن المواطنة انتماءً واعيًا ومسؤولًا.

وينسجم هذا الشعار  تمام الانسجام مع رؤية فخامة رئيس الجمهورية، الرامية إلى ترسيخ قيم المواطنة ومحاربة المفاهيم البالية المتخلفة التي تناقض روح الدولة المدنية الحديثة، وهي الرؤية التي عبّر عنها في أكثر من مناسبة؛ من وادان إلى تيشيت، ومن جول إلى انبيكت لحواش قبل أيام قليلة؛ حيث دعا إلى بناء وطنٍ يتّسع للجميع، ويُعلي من شأن العدالة والإخاء، مما يجعل من كل أدواتنا ووسائلنا بما فيها القلم والكلمة، أصدقَ حارسٍ لقيم الإخاء والمواطنة.

أيها الجمع الكريم؛
إن الأدب، في جوهره، رحلة في الوجود؛ رحلة تكشف عن إنسانية الإنسان، وعن تشابك المصائر بين أبناء الوطن الواحد. ومن هنا فإن اتحادكم الموقر، بما يضمه من طاقات خلاقة، مدعوٌّ اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى الانفتاح على العالم، وتعزيز حضور الأدب الموريتاني في المحافل الإقليمية والدولية، ليأخذ مكانته اللائقة به بين الآداب الكبرى.

وفي الختام؛

أجدد شكري وتقديره لكل القائمين على هذا المؤتمر، ولجميع الأدباء والكتاب الموريتانيين الذين جعلوا من الكلمة رسالة، ومن الإبداع نصًّا مفتوحًا على الأمل والعطاء.

كما أتوجه بخالص التهاني والتبريكات إلى مكتبكم التنفيذي الجديد، متمنيًا له التوفيق والسداد في مهامه النبيلة، راجيًا أن يكون هذا العهد الجديد امتدادًا لمسيرة مضيئة، وأن يحمل أعضاؤه شعلة الاتحاد إلى آفاق أرحب من الإبداع والعمل الثقافي المشترك.

ولا يفوتني في هذا المقام أن أعبّر عن عميق الامتنان والعرفان للمكتب السابق، على ما بذله من جهدٍ مخلص، وما قدّمه من عملٍ مثمر، وما تركه من بصمات خالدة في خدمة الأدب الموريتاني وتعزيز مكانة الكلمة الحرة الأصيلة، لقد أدّوا الأمانة ووفّوا بالعهد.. أسأل الله أن يوفق أعمال هذا المؤتمر المبارك، وأن يسدد خطاكم في خدمة الأدب والوطن، وأن تظل الكلمة في بلاد شنقيط منارةً تهدي، وصوتًا يوحّد، وجسرًا يربط القلوب كما ربطت الحروفُ الكلماتِ في نصٍّ خالدٍ لا ينتهي.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نشر بتاريخ: 13-11-2025 19:51