فاضل أمين مسار أمة في حياة شاعر /النجاح محمذن فال

مشاركة في ندوة تخليد الذكرى 40 لرحيل الشاعر فاضل أمين التي نظمتها منشورات خيدجة عبد الحي بالتعاون مع شبكة "المدينة" الإعلامية مساء الاثنين: 30-01-2023

  

ولد فاضل أمين 1954 في مدينة المذرذرة المعطاء

 ومع أنه لم يكمل عقده الثالث - حيث انتقل إلى دار الخلود الجمعة 19 فبراير 1983 حيث نهب الطغيان زهرة شبابه الغض - فإنه سما بالأيام الي ان نغدو أعواما..

سخر الكلمة لمسار الأمة..

شدا بالإنجازات وناهض الإخفاقات..

اسرج الحرف لهذا الوطن وهو دون العشرين…

يقول بمناسبة مسار الإصلاح السياسي 1974 -1975 وبالذات حينما اعلن الرئيس الأسبق المختار ولد داداه عن :

إنشاء العملة ودخول الجامعة العربية وتأميم المناجم:

 

وقف الدهر غبطة واستدارا *

ورنا المجد بهجة واستنارا *

ضحك الرمل فالغصون عليه  *

راقصات كأنهن العذارى *

وشعاع الشمس المنيرة بملى *

نشوة النصر في نفوس السكارى *

اي عيد هذا الذي نشهد الي    *

وم إعزازا لشعبنا وانتصارا    *

أي أمر وأي بركان نصر       *

زلزل الارض والمدى والبحارا  *

يأتى معجم النص مشبعا بالعبارات الباعثة على النشوة والانتصار الذي جعل الأرض في حالة زلزال وكذا البحار خاص

 الشاعر الحالم فاضل أمين معمعان تجربة الشعر وهو يافع فشدا بنصر أكتوبر 1973

وغني للإصلاح السياسي والاقتصادي هنا في موريتانيا في حين تغني فرحا بانقلاب 1978 الذي اطاح  بالحكومة المدنية برئاسة الرئيس السابق المختار ولد داداه فقال :

 

لملم شتاتك يا شعبي ترى العجبا

إن الزمان الذي تبغي قد اقتربا

جيش من النور في الآفاق مطلع

وجحفل من جراد الكفر قد غربا

والنار لاهبة الأنفاس موقدة

تشوي السمومُ عليها الحقد والغضبا

جيش يدك حصون الظلم مقصده

ويسحق الكفر حتى يستحيل هبا

تتلاحم الصور التقابلية هنا لتعزز سخط الشاعر فاضل أمين على النظام المطاح به ، سخط يقابله في نفس الوقت شعور عارم بالفرح بالجيش وهو يتسلم السلطة في إسقاط لما أحدثته الانقلابات في بعض الدول العربية من نهوض …

و لكنه بعد ماعانته القوي التحررية ايام الهياكل في  مطلع العقد التاسع من القرن العشرين  لا يخفى حنقه وسخطه لكنه لا يتناول محجم السخط هذ ضد الجيش بل يقتصر على قمة هرم السلطة و ذلك في قصيدة الاعتقال :

 

ما أعجب الجبار يملك عسكرا

لكنه يخشى التراب الأغبرا

في أحرف الكلمات يسمع نعيه

فيخالُ في الحداثِ موتا أحمرا

كاللص يضرب في متاهات العمى

خوفا فيحسب كل شيء مبصرا

يسير فاضل أمين الحقل الدلالي كما يحلو له فيحشد الصور المحيلة للضمير الجمعي فرحا بالجيش ( لملم شتاتك ، جيش من النور )

ولكنه حين يتفرد الحاكم بالسلطة يوظف ضمير المفرد في آخر قصيدة له الاعتقال  :

 

وإذا الطغاةُ على البلاد تألبوا

لا بدَّ من بعث لكي تتحر

يا جاحدا للبعث يكفر سعيه

قصرْ وحسبك أن تكفَّ وتقصرا

ليس الطلائع من عهدتَ قتالهم

بالقفرِ يشوون الجرادَ الأصفرا

كم من عدوٍّ للعروبة حاقدٍ

نصبوا له يوما أغرَّ مشهرا

لولا نضال البعث واستبسالهُ

ما كنتَ جئت ولا علوت المنبرا

وبقيت مثل بني أبيكَ وجدهم

بالسفحِ تلتحف السماك الأعسرا

إذْ أنت أنكر من حذاءٍ ساقطٍ

وادقُّ من شخص الحقارةِ مظهرا

همْ ألبسوكَ على القماءةِ معطفا

وهم الذين ثنوا عليك المئزرا

وهم الرجال على الضفاف عشية

مدوا سواعدهم إليك لتعبرا

فإذا وفيت فإنها لغربيةٌ

وإذا غدرتَ فشيمة أن تغدرا.

ولىن طغت السياسة على المعجم الادبي للشاعر فاضل امين فلقد طغي القمع على شبابه فأرغم  على النفي وهو سقيم تلاحقه مخافر الشرطة

فهل تضيق أرض المليون شاعر بالشعراء

عرف المجتمع الموريتاني باحترام الشعراء والفنانين وتقديرهم وظل هذا المسار سائدا حتي  اثناء ايام سطوة الامراء..

بل وحتي في غياب اي سلطة

ولم تكن إرادة الاستعمار قادرة على كسره

مع انه من الملاحظ ان حقبة مطلع القرن العشرين لم تكن حقبة نهضة ادبية خاصة على مستوى الشعر ولو أن ادب الحسانية حافظ خلال تلك الحقبة على بقائه

وإن بخجل !

وبالرغم من كون الشعر لم يشهد ذلك الازدهار الذي عاشه طيلة القرن التاسع عشر ؛ إلا اننا مع ذلك لم  نشهد استهدافا للشعراء في حياتهم وحرياتهم الشخصية ..

لكن واقع دولة الاستقلال شهد في وقت مبكر استهدافا للشعراء خاصة فى الفترة الاستثنائية وبالذات في نسخ اللجنة العسكرية  …

لقد تم استهداف سميدع واحمد عبد القادر وغيرهم من حركة القوميين العرب سواء على مستوى مسارها الأول او من خلال مسارها الثاني في تيار الكادحين المنبثق عن حركة القوميين العرب

وهذا يطرح أسئلة كبرى :

لماذا كتب على أرض المليون شاعر ان تضيق بالشعراء ورواد القلم ؟

هل كانت الدولة الاستعمارية اكثر احتراما للشعراء ورواد القلم من دولة الاستقلال

من اي موروث تاتي قمع وسجن وقتل الشعراؤ ورواد القلم ؟

سجن احمد عبد القادر إبان فترة تيار الكادحين

وأيام التيار القومي سجن الشاعر الباحث الخليل النحوي والشاعر احمدو ميح  والشاعر اكابر هاشم الشيخ بكاي  عاش ناجي محمد الإمام في المنفى ومات فاضل امين في المنفى بعد أن تداولته مخافر الشرطة وتلقي مساعدة بعض رفاقه لتهريبه إلى العاصمة السنغالية دكار .

لماذا اللجوء إلى المنفى ؟

هل هو ذنب ان تكون شاعرا

تواردت قبلي هذه الاسئلة بل انهالت على  فاضل أمين التي  عليها أجاب  في هذا النص تحت عنوان الاعتقال

فى حرب اكتوبر1973 ..

في مسار الإصلاح بموريتانيا ..

في أيام التحول السياسي ..

في ظلام الغربة والسقم ..

في كل ذلك شدا فاضل امين بالوطن حتى رفعه  إلى منزلة الأم :

يا امنا يا امنا    *

لك الحنان والجنا *

 

ولىن غادرنا فاضل امين فإن صداه سيظل يلاحق الأحرار منا بهجة واحتفاء في حين لعق الجبان حسرته يقول الخليل النحو مؤبنا في نبرة حزينة يضيق أفق النقد عن سبرها :

 

أيها العائـــد العـزيز المسجى   *

في خشـــوع الجباه والأجفان   *

هل رأيت الحيـاة عبئـــا ثقيلا   *

 من وراء الأســوار والقضبـان *

هل نقمت الزمان وهـو عقيــم   *

وافتقدت الفرسـان في المعمعان *

هل تعجــلت أن يشــع ضياء     *

في ظلام الهــوان والحرمـان    *

هل سئمت المنفى فهزك شــوق *

وحنين إلى ربــــى الأوطان      *

فتلقتك بالدمــوع الهـــوامى      *

وتسامت إلــيك بالأحــضان      *

بادلتك الحنيــن شوقــا بشوق   *

وحنانا مؤثــــرا بحنـــان         *