كلمة أ. د. محمد ولد عبد الحي في ندوة "الحاج محمود با رائد التعريب في موريتانيا"

 

 

الحاج محمود بَهْ الرجل العصامي

 

ولد الحاج محمود بَهْ (1905-1978) في قرية جول لأسرة فلانية تمتهن تربية الأغنام، وعند ما بلغ سن الرشد (18سنة) قرر بنفسه شق طريق مختلف.

  1. التحق سنة 1923 بمحضرة الشيخ عمر جهْ الفوتي في قرية (ويندو بوصَيابا)، لمدة أربع سنوات، أتمّ خلالها حفظ القرآن الكريم.
  2. رجع إلى قريته (جَوَل) عام 1927م، واتجه إلى محضرة أهل عبد الفتاح التُّرُكْزِيِّين في (لَتْفَتارْ) حيث أجازه شيخها عبد الرحمن، في تجويد القرآن.
  3.  بعد ذلك بسنتين (1929) سافر إلى الحجاز سيرا على الأقدام، مرورا بمالي والنيجر والسودان واليمن، رافقه في بعض مراحلها رفقاء من (سرليون)، وقد استغرقت الرحلة عامين متتاليين، فوصل مكة 1931.
  4. التحق الشيخ محمود بَهْ بحلقة الشيخ علوي بن عباس المالكي الذي احتضنه وأدخله المدرسة الصولتية ثم مدرسة الفلاح (فرع مكة)، و أسكنه بجوار الحرم المكي، وحصل  في ختام هذه الدراسة سنة 1941 على دبلوم إجازة التدريس في الفقه والحديث. (مدارس الفلاح هي مدارس نظامية لتعليم العلوم العربية والإسلامية، أسسها بجدة سنة 1905 تاجر اللؤلؤ السعودي محمد علي رضا زينل(1889-1969)، ثم انتشرت في مدن الحجاز والخليج ودول آسيا الشرقية، ثم نشرها الحاج محمود باهْ في غرب إفريقيا، بمبادراته الشخصية).
  5. مباشرة بعد تخرجه،1941 بدأ رحلة العودة إلى بلده، سيرا على الأقدام. وفي طريق العودة اعتقله الفرنسيون في النيجر عدة أشهر، ثم في (سينلوي) قبل أن يسلمه حاكمها إلى حاكم كيهيدي الذي تقع قريته (جَوَل) تحت حكمه، وعند وصوله إلى القرية، أنشأ بها مدرسته الأولى، تحت شجرة في البداية، باسم (المدرسة الفارابية)،
  6. في سنة 1945 أنشأ بحي (كِرْديفُّونْسَه) ب(دكار)، أول مدرسة باسم مدرسته التي تخرّج فيها بمكة "الفلاح".
  7. بعدها بسنتين أنشأ مدرسته الثانية بهذا الاسم، في مدينة (خايْ) بالسودان الغربي (مالي).
  8. في سنة 1957 أسس فرع مدرسة الفلاح الثالث في جمهورية غينيا كوناكري.
  9. في سنة 1959 أنشأ أربعة فروع لها في كل من (ليبيريا) و(الكاميرون).
  10. في عام 1962 جاء إلى نواكشوط ولعلها الفترة التي أسس فيها فرع (مدرسة الفلاح) في الحي 3 بالعاصمة، ويبدو أنه سُمِّي حينئذ مستشارا للرئيس، وقد أرسل في وفد إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ضم معه الوزير بَهْ بُبَكر ألفا وآخرين....
  11. في عام 1974 أرسلته الدولة إلى الغابون للإسهام في تعليم الإسلام واللغة العربية هناك، حيث أسس عدة فروع لمدارس الفلاح في (ليبرفيل) وغيرها من المدن والقرى الغابونية.
  12. ربط الشيخ محمود بَهْ خلال هذه المسيرة العصامية الحافلة، علاقاتٍ وثيقةً، بكل من:
  • المملكة العربية السعودية، حيث استقبله الملك سعود، قدّمه إليه مدير ديوانه الوزير عبد الله بلْخير (1915-2002)، الذي كان زميل دراسته في (المدرسة الصولتية) بمكة، وبمدرسة (الفلاح) فرع مكة أيضا، وقد أمر الملك سعود لمدارسه يومئذ بدعم كبير.
  • رابطة العالم الإسلامي بمكة.
  • الأزهر بمصر.

 وهي العلاقات التي فتح بها الطريق لكثير من تلامذة مدارس الفلاح للدراسة في الأزهر وغيره من مؤسسات التعليم في العالم الإسلامي، وللحصول على منح دراسية لذلك الغرض.

  1. الدراسات الجادة حول هذه الشخصية النادرة، وهذه المسيرة الملحمية، قليلة نادرة، حتى الآت، يقول الباحث محمد مصطفى كان: " يظل الحاج محمود باه، في المجمل، شخصية "منسية" بين المؤرخين وعلماء الإسلام. بصرف النظر عن بعض الدراسات المناقبيَّة المنجزة من قبل بعض طلابه السابقين، فلا يوجد عمل ناتج عن تحليل نقدي للشهادات التي تركها منتقدوه الاستعماريون و"المرابطيُّون"، ولا للتقاليد - المدونة - التي يحتفظ بها تلاميذه من رحلته كعالم ورجل عمل. صحيح أن أطروحتين قدمتا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط تتناولان جوانب كثيرة من حياته وأعماله، لكن واحدة منهما فقط، هي التي خصصت له سبع صفحات لا أكثر، من أصل أربع وسبعين صفحة، والتحليل في كلتيهما مقيد بالقيود المتبعة في عمل من هذا المستوى". وقد حاول كاتب هذا المقال الوارد في دراسة بعنوان: زمن "المُرابِطِيِّين"، (Le temps des marabouts (1997)) ص 431-465 " تحليل مسار الشيخ محمود بَهْ، من حياته المراهقة في مسقط رأسه (جَوَل)، إلى حياته مستشارا برئاسة الجمهورية الإسلامية الموريتانية"، ولم نتمكن بعد من الحصول على هذه الدراسة كاملة.
  2. يعد معهد الدراسات الإبيستيمولوجية ببروكسل للنشر، كتابا يضم العديد من الدراسات الجادة والشاملة حول هذه الشخصية المهمة في تاريخ البلد، لعلها ستخرجها من دائرة النسيان التي ذكرها الباحث محمد مصطفى كان.
  3. كتب عنه الوزير السعودي عبد الله بلخير المذكور أعلاه: "في عام 1978م – 1398هـ انتقل الحاج محمود (بَهْ عمر بَهْ) إلى رحمة الله، بعد أن أنشأ تسعة وتسعين مسجداً، وسبعاً وسبعين مدرسة عربية في معظم دول غرب إفريقيا، تديرها هيئة مركزية في موريتانيا، اسمها "الهيئة الفلاحية لمحاربة الجهل ومحو الأمية"، وأهدافها المعلنة هي: نشر الدعوة الإسلامية في الأقطار الإفريقية، وتعليم الناس مبادئ الدين الحنيف، وتعليم أبناء المسلمين القرآن الكريم، وتدريس السنة المحمدية، ونشر اللغة العربية (لغة القرآن الكريم) في غرب أفريقيا ... كان زعيماً مصلحاً، وداعياً إسلاميّاً نادر المثال بين دعاة الإسلام والمسلمين، ولقد كتبتُ عنه ذكرياتٍ عجيبةً، ذكرتُ فيها صلابة عقيدته الإسلامية، وكفاحه وجهاده وشجاعته النادرة في مقارعة الاستعمار وحربه، ومنازلته الفرق الضلالية التي تقوم باسم الإسلام، بما لا يقره الإسلام ولا يرضاه، وله في ذلك المُذهِلُ والمُعجِبُ، كان له صفات الدعاة من رعيل المسلمين الأوائل، مُشِعَّةً في عزمه وحزمه، وفي دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد جرى على سننه  ابنه الذي كان يزورني بعد وفاة والده كلما قدِم من غرب إفريقيا إلى الحجاز، فيطلعني على مواصلته اقتفاء أثر  والده في رعايته مدارس الفلاح، على شواطئ المحيط الأطلسي، وعلى صِلاته الوثيقة برابطة العالم الإسلامي في مكة، وبالأزهر الشريف بمصر، ويطمئنني بأن نتائج مساعي والده قد أينعت وقطفت ثمارها، وأن المنتسبين إلى مدارس الفلاح أصبحوا ألوفاً" انتهى الاستشهاد.
  4.  لا أظن أن الوزير السعودي بالغ في حق هذا الشيخ، فهو البعيد من موطنه، يعرفه أكثر منا نحن أبناءه، وأبناء بلده، و"العود في أرضه نوع من الحطب"، فمسيرة هذا الشيخ تشهد على أنه كان نموذجا فريدا في العصامية والثقة بالنفس والقدرة على مواجهة التحديات، وأنه عاش ثلاثا وسبعين سنة كلها كفاح وتحد وثقة برؤيته، وإيمان برسالته، وتصميم على بلوغ أهدافه.
  5. لعل هذه الحلقة التلفزيونية تَلفِت النظر إلى شخصية يمكن أن تستفيد الأجيال المقبلة من قصة كفاحها وتصميمها وقدرتها على تحدي الصعاب، فتجعل منها قدوة، بدل الاقتداء بنماذج لا تستطيع تناول الموز إلا مقشرا، ولا طلب المعلومة إلا عير وجبات (غوغل) الجاهزة، ولا كتابة رسالة قصيرة إلا عبر مُحوِّلات الدردشة التوليدية المدرَّبة مسبقًا (chat GPT).

 

أد. محمد عبد الحي

 

 

 

كلمة الدكتور محمد ولد عبد الحي عميد كلية الآداب بدبي، في ندوة: "الحاج محمود با رائد التعريب في موريتانيا"

  اضغط هنا لتحميل الكلمة بصيغة PDF

 

 

 

_____________________

مواد ذات صلة:

تنظيم ندوة بعنوان: الحاج محمود با رائد التعريب في موريتانيا

با عبد الرحمن: الحاج محمود با كان يؤمن بمشروع عروبي إسلامي واسع لا تحده الآفاق