شعراء تفيض قصائدهم بالوفاء والحب في بيت الشعر بالشارقة

 

ضمن فعاليات منتدى الثلاثاء، نظم بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة أمسية شعرية يوم الثلاثاء الموافق 26 سبتمبر 2023،  احتشد فيها جمهورُ القصيدة الذي ملأ جنبات القاعة تفاعلاً وحضوراً ودهشة، وشارك في الأمسية الشعراء: محمد فكري، مهند الشريف، وميشيل العيد، بحضور مدير البيت الشاعر محمد عبدالله البريكي،  وقَدَّمَ الأمسية الدكتور مهدي الشموط، الذي رفد الأمسية بالربط بين فقرات الشعراء، مصاحباً لهم بِلغُته العالية وحضوره المتميز، وفي تقديمه تَحَدَّثَ عن شكره لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على كريم عطائه للثقافة والأدب والشعر، وأثنى على دائرة الثقافة ممثلة في بيت الشعر في الشارقة ونشاطه المتنوع، إصراراً على الجدارة والاستحقاق في كل ما يقدمه للشعر العربي داعماً مسيرة الشعر بأسماء لامعة وأخرى يضعها تحت مسار الضوء حتى تظهر للعلن وللإعلام لأنها تستحق التواجد والحضور على المنصات الشعرية، 
وقد زخرت الأمسية بأسماء شاركت الجمهور عصارة فكرها المصبوب في قوالب الشعر الموزون، حباً وشغفاً وتواصلاً خلاباً، حيث احتكر الشعراء حالات الدهشة المتواصلة من قبل المتلقي، فكان التصفيق حاضراً في فترات متتابعة إبداءً للقبول والانسجام والإعجاب مع ما يُنْشِدُه الشعراء من بديع الشعر المعانق للإيجابية، والنابع من عيون التفاؤل.
وافتتح القراءات الشاعر المهندس محمد فكري، وهو القادم إلى الشعر يُهندِسُه بإتقان المتمكن من أدواته، بدأ الشاعر برباعيات أطلق فيها خيل فكره وخياله وهو يطوف في مضامين احتشدت فيها اللغة العالية، ومن مقطع "طليق"قال:

مــن الــذي وارَبَ الــماضي وأطلقني              
  يــمامةً فــي ســماءِ الــحاضرِ القفَصِ
بَــنَيْتُ عُشّي على أغصانِ مَن رَحلوا               
 مِــنَ الــرِفاقِ ومما ضاعَ مِن فُرَصِي
وسِرتُ في الأرضِ إنساناً مَدَدْتُ يدي              
  لأقــطِفَ الــوردَ مــن قلبي لمُقتَنِصي
سَــقَــطْتُ  ذاتَ خــريفٍ وردةً نــجماً           
     بمَن يجوعونَ شوقاً في المساءِ وصي

ثم انتقل إلى غيمةٍ شعرية أخرى، هاطلةٍ بالوفاء والمحبة، في رسالةٍ واضحة المعالم أهداها لوالده، متأبطاً ذراع التخيل في حواريةٍ بينه وبين أبيه الذي قال عنه في مفتتح إهداءه له : (إلى أبي، ذلك الصيادُ الماهرُ الذي أورَثَ النهرَ الصبرَ وأورثني العجلة! )، ومما جاء في القصيدة:

من قبلِ خلقي كنتُ: أنتَ، مُشاهدي           
وأتَــيْتُ  طــفلاً مُــمْسِكًا بــيدِ الــغدِ

ألهو  وأركُضُ خلفَهُ من دونِ أنْ…           
آلآن  تــتــرُكُني وقــدْ فــلتَتْ يــدي

قــالتْ  لــيَ الدنيا:.. فقلتُ لها: بلى           
ووَدَدْتُ لــو أنّــي.. وأنّــكَ.. سيدي

مــما  وراءَ الــغيبِ بِــضعُ دقــائِقٍ          
أحــكي فــتسمَعُني بــذاتِ الــموعِدِ

ثم كان الجمهور مع موعدٍ آخر من فصول الجمال، مع الشاعر مهند الشريف، الشاعر الحامل لمشاعر الانتماء والحب وعلو النفس، في تغرّبها، ومعاناتها من ألم فراق العائلة والأصدقاء، وهكذا ظل بوح الشاعر مشحوناً بعاطفته الجياشة التي تضج في كل قصائده، مفتتحاً هذا الشجن العذب بقصيدةٍ ذاتية وجدانية حلق فيها طير المعنى ليعزف بناي الشجن أنشودة فيها "أسرار من قبس عينيها" قال فيها: 
عيناك نايان من عزف السما وانا 
قلب يتيم على شطيهما غرق 
النار في جسدي والروح مسكنها 
بستان شعر وموسيقا فما احترق 
لا نهر يرويه بل ان الهوى قدر 
لا والفضا سجنه لما غدا طلق 
الخيل مركبه والعقل ملعبه 
والموت في الباب ما هاب الردى طرق 

وفي إصراره على أن يكون الأمل حاضراً، في لحظات الوجع الإنساني، لأنها من طبيعة الحياة، ومن خبرة المَلّاح الباحث عن سواحل النجاة، وإظهاراً لهذا الأمل الحلم في قصيدة "بين الحلم والحقيقة" قال:

قالت أحبك قهوة تهدي الصباح رسائل الأشواقِ 
من أعماق روحي 
نلتقي بغدٍ تزيِّنه وريقات الزهورْ
نامت فقال لها :
على الأحلام غيم من مساءات تدور 
جسران إنّا ورد فل في الهوى 
شوق ومسك والمدى روح أنيق 

ثم كان ختام القراءات مع الشاعر المتأمل ميشيل العيد، حيث أكمل حواريات الأمل الصاخب في جوانبه، وخصَّ الشارقة بمستهل قراءاته، وكيف لا وهي تمد يدها للإنسانية، تقيم صرح الود والوفاء للقيم والأخلاق والثقافة،.. شارقة الأمل، فَغَرَّد:

أتيتُ شارقةَ الأحلامِ عن أملٍ
أن يشرقَ الحلمُ لا جاهٌ ولا ترفُ

بل إنّهُ اللهَ يعطي القلبَ أمنيةً
لو كانَ في زمهريرِ البؤسِ يرتجفُ

مدينةٌ نسلُها للنّورِ  مشرقةٌ
على المسمّى وفيها السّحرُ  يعتكفُ

قد عرّفوها ب(ألْ) والكونُ يعرفُها
سلِ العوالمَ عن سلطانَ تعترفُ

واختتم ميشيل بقصيدةٍ من منابت الحكمة، وشجرها وارف الظلال، واستدعى فيها أمثلة ونصائحَ توائم الشعر، وغَلّفَها بمظاهر الجمال اعتماداً على أدواته البلاغية في إيصال فكرةٍ رئيسية؛ هي الأمل الباقي ما بقي نبضٌ في قلوب البشر، أنشد في قصيدة افتتحها بعبارة "لكل امرئٍ"، وكأنها رسالة لكل الناس:

لكلِّ امرئٍ بينَ الورى مَن يرافقُه
ولا بدَّ يوماً مَن يحبُّ يفارقُهْ

فلا تعطِ نُصحاً للذي يركبُ الغوى
إذا جاوزتْ شطَّ الرّياءِ زوارقُهْ

وجالسْ ذوي فِكرٍ لتأخذَ عِبرةً
فمَن جالسَ الأفكارَ  سادتْ بيارقُهْ

وعاشرْ صفيَّ القلبِ ليسَ يسوؤُهُ
تعارضُهُ في رأيِهِ أو  توافقُهْ

وفي نهاية الأمسية كرم الشاعر محمد البريكي الشعراء المشاركين ومقدم الأمسية.