خمسة باحثين يحاضرون في ندوة نقدية عن "الصورة الفنّيّة بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة" 

 

تواصلت مساء اليوم بقاعة الأنشطة في "بيت الشعر-نواكشوط" فعاليات مهرجان "نواكشوط للشعر العربيّ" في دورته التاسعة، مع نّدوة نقدية تعالط موضوع "الصورة الفنية بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة" وإثارة الإشكاليات التي تناولت القصيدة معنى ومبنى والأساليب الجمالية التي تميّز الشكلين عن بعض، وقد قدّمها خمسة باحثين هم: د. ابّوه ولد بلبلّاه واللسانيّ د. عبد  الودود أبغش، ود. أحمد باب المشري، وأ. ممّو الخراش، فيما أدار الجلسة الأستاذ د. محمّدن المحبوبي الذي مهّد للأمسية بلمحة فكرية تناولت الأشكال الشعرية وتجلّياتها في الكتابة والقراءة، مستعرضا بعضا من أقوال النقاد وفق مقاربة مقارِنة، محضّضا على دور مرافقة النقد للمساري الإبداعي عبر تطوراته ومساراته المتباينة.

وقد بدأت الجلسة مع المحاضر الأوّل د. ابوه ولد بلبلاه من مواليد 1964، وهو أستاذ بجامعة انواكشوط، وأستاذ متعاون بعدة مؤسسات تعليمية وطنية، له مشاركات واسعة في عديد الندوات والدورات النقدية، حاصل على المرتبة الأولى في مسابقة أجرتها وزارة التهذيب الوطني لاختيار أفضل أستاذين مدرّسين للغة العربية سنة 1994، ويعمل أستاذا دائما بالمدرسة العليا للتعليم منذ سنة 2012.

وقد تطرق إلى الصورة الفنية في ديوان "مدى حرفين" للشاعرة باتّه البراء مقاربا لعرضه وفق منظور لسانيّ يمزج بين البلاغة التراثية ونظيرتها الحديثة معبّرا عن رأيه بقوله إن اللسانيات: << قد شايعت نظريّات المعنى في التفريق بين الشكل والمضمون وقد اتخذت الفراغ القائم بين اللفظ والمعنى منطاقا لها>>، متناولا قصيدة "طيْبة" أنموذجا يختزل بعضا من أهمّ ميكانيزمات الصورة الفنّية.

وحاضر ثانيا د. محمد المشري باب، وهو شاعر وأستاذ جامعي، رئيس قسم اللغة العربية بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الاسلامية، له عدة بحوث منشورة في مجلات محكمة من أهمها: "الشعر والحضارة" و قصيدة "صلاة ربي للشيخ محمد اليدالي: قراءة ثانية" وله ديوان شعري أغلب نصوصه غير منشور

وقد تطرق في كلمته إلى ضرورة خلق الخيال للصورة الفنية في الشعر، مقسما القصيدة العربية إلى شعريتين: دلالية أساسها الصورة، وشعرية إيقاعية أساسها الموسيقى، معزيا التطورات التي شهدها الشعر العربي إلى الثورات المطالبة بالتجديد، وقد عدّ الصّعلكة الشعرية فنّا خلق صورة كسرت دأب الفنيات المعهودة لدى الجاهليين، وفي المقارنة بين القديم والحديث أشار إلى أن الموقف من الأولوية لدى الحداثيين مختلفة جملة وتفصيلا عن التراثيين إذ عبر قائلا: << لم تعد الموسيقى العروضية شرطا من شروط الفنية في خلق حالة من الإبداع تؤهّل المتلقّي إلى التأثّر بالفنيات المترابطة، فالتطوّرات الإيقاعية مثلت ما يمكن تسميته صلحا بين الشعر والنثر على مستوى الشكل>> وقد ربط لكلمته بين الحداثة والتراثا ربطا يوازي بين الآليات جميعها.

فيما حاضر بعدهما ثالثا أ. ممو الخراش، وهو من مواليد مدينة تكنت 1984، شاعر بالفصحى والحسانية، حاصل على الإجازة في الاقتصاد الإسلاميّ والإجازة في الإعلام والحضارة من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلاميّ، وشهادة الماستر في مناهج البحث واللغة والأدب من جامعة نواكشوط، أستاذ ثانويّ للغة العربية، يعمل حاليا مفتّش تعليم ثانويّ.

وقد استعرض إبرازَ التقاطع بين الثقافتين الجاهلية والموريتانية في القصيدة العربية خالصا إلى ضرورة <<الاعتراف بسيرورة الزمن، فلا يمكن أن يكون ابن قتيبة  _ وهو من نقاد القرن الثالث الهجري _  أعدل منا في العلاقة بالقديم والمحدث، لا بد من بناء ذائقة مزدوجة، تجد متعتها الفنية في القديم وفي الجديد ولن يكون ذلك الا بازدواج أدوات القراءة والتأويل، وتجاوز وهم الحقيقة الأدبية المطلقة الثابتة، فنحن نظلم امرأ القيس إذا بحثنا في نصوصه عنوالوحدة العضوية، ونظام السياب إذا افتقدنا في نصوصه حسن التخلص، وملاءمة المستعار منه للمستعار له.>> فلا تحصر وفق مقاربته الشعرية باتجاه محدّد أو مدرسة معيّنة، بل بحسَب التمكّن من إحداث تجديد محتفظ بكلّ مفارقات الشعر العربية.
 

فيما انتهت الجلسة مع المحاضر  د. عبد الودود أبغش،وهو شاعر وكاتب ومرتجم، حاصل على شهادة الدكتوراه في اللغة والآداب والحضارة العربية، من كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنّوبة-تونس، صدرت له مؤخّرا 2024 عن دار كنوز المعرفة دراسة بعنوان "اللسانيات والعرفنة"  و"الأبنية الشرطية اللاواقعية"، كما نشرت له سابقا دار يافا 2018 دراسة بعنوان "نظرية الأفضية الذهنية" ، يعمل حاليا أستاذا للسانيات الحديثة بجامعة انواكشوط.

وقد أعدّ الورقة عن "صورة اللاواقعيات في <<الليل والأرصفة نموذجا>> " من منظور لسانيّ عرفانيّ، مؤصّلا إلى تناول الشعر من زوايا العرفنة البلاغية موضّحا أنّ أيّ عملية تخييلية خارقة للمنطق الذهنيّ المعهود تندرج في فضاء الآلية اللاواقعية الدارسة لقفز الأساليب على الصورة وتجاوز الواقع، وأرجع عملية الإبداع إلى القدرة على التصوير باللغة فوق مستوى الإدراك، وأردف قائلا: << البنيات اللاواقعية في الشعر الحديث مردّها الجنوح إلى السوريالية، واعتناق الخيالية المفرطة وإحداث قلبٍ للعلاقات بين المجازات اللغوية من كنايات واستعارات هي ما تخلق روح الفنية عند الشاعر في شعريته.>> مؤكّدا أنّ جماليّة الشعر تنافي الحقيقة وتنأى به عن سلطة المنطق.

وقد انتهت الندوو بتسليم تكريمات للضيوف الباحثين من طرف مدير بيت الشعر-نواكشوط د. عبد الله السيد و أخذ صورة تذكارية جماعية، وسط حضور كبير من مختلف الخلفيات الثقافية والمعرفية لأساتذة جامعيين وإعلاميين وباحثين مختصين ومهتمّين بالمجال النقدي والشعري،  وختمت الأمسية باستراحة قهوة وشاي ببهو بيت الشعر تخلّلتها مناقشات وتعارفات بين الأكادميين.