أحمد سالم ولد التا: بعد أن قرأت "ثورة غباء" قلت: هذه روائية موهوبة

إمرأة... و أخرى.. و ثالثة... و أخريات... نسوة يرتدين كلهن ملاحف الموضةالأخيرة، يحملن  معهن حقائب يدوية،  وفي شحمات آذانهن اقراط  صوغت من مادة نفيسة  .. التشابه بينهن يكاد يكون تطابقا كاملا.. أو  كذلك يُخيل إلى من يَراهُن على مسافة ... لكنهن - كما يقول الشاعر الفرنسي تيوفيل غوتيي-  مثل النجوم  يُخيل لمن ينظر إليها من بعيد انها متقاربة متشابهة، وهي  في الواقع مختلفة متباعدة  تفصل بينها مسافات تقاس بالسنوات الضوئية.
واقع تعكسه بصدق ودقة، و بأسلوب منساب أخاذ،  "ثورة غباء"،  للروائية الشابة نزيهه بنت الحسن... صدور جديد  في  الساحة الأدبية على شكل مجموعة قصص رسمها قلم يجيد الرسم أو سطرتها ريشة تجيد الكتابة.. حتى كأنها  كاميرا بقبضة مصور موهوب  يصرّفها لتلتقط  تارة مشاهد نائية تظهر فيها جماعة من الناس،  ودور و شوارع  يتحدد  عبرها زمان ومكان... وتارة  تقترب فيميز الرائي من بين الجماعة وجوه نسوة ذوات رتبة في شبكات الجريمة المتعددة الجنسيات، وأخريات متذبذبات يتأرجحن بين الرتابة والجنوح... وتتجاذبهن قوى الفضيلة و الإنحراف..
 ثم تلتقط  شبحين غامضي الملامح منزويين في ركن مظلم يتهامسان  بشيئ ما... وتنتقل الكاميرا و"تزوم" على شخص منفرد مكبل بسلاسل الهموم ، مثخن بجروح أصابته من وقع حراب رمته بها أيادي القدر.. ثم تركز على وجه ضابطة شرطة ذكية مسكونة بالرغبة في حماية القانون والمجتمع، مع ميول خاص لإنقاذ النساء المعرضات لخطر الغرق في مياه الإنحراف الباردة... وتقترب الكاميرا و"تزوم" على محاجر عيون حزينة  وثغور مصبوغة بأحمر الشفاه تغطي الشاشة، وهي تتحدث بأشياء تمتزج فيها الغرابة بالوقائع..
وإذا كانت "ثورة غباء" تركز على ملامح  النساء - ربما لأنها مستوحاة من  وقائع حقيقية - فإن الرجال غير غائبين عن عقدتها وتطوراتها، لكنهم في الصف الثاني، وأمام كل واحد منهم إمرأة.
سرد شيق يشد القارئ بقوة، حتى آخر نقطة...  يفضي به إلى  حيث تتغير نظرته لما يحيط به ... للنساء.. للرجال.. للمجتمع، لدنيا اليوم.
قلت في نفسي بعد أن قرأت "ثورة غباء": هذه روائية موهوبة ومستقبلها في الكتابة واعد لا شك..
لكني  تذكرت محاورة جرت قبل عقود بين صديقين لي.. فتغير حكمي.. ذات مساء حضرت مع أصدقاء لقاء ثقافيا بدار الشباب، وفوجئنا تلك الليلة بأداء شاب يدعى جمال ولد الحسن... بعد انتهاء الأمسية، وإذ نحن على طريق العودة، قال أحد الأصدقاء: "هذا شاب موهوب حقا... لا شك أنه سيكون متميزا في مجاله".. رد عليه صديق آخر بسرعة: "المسألة لم تعد مسألة مستقبل: جمال ولد الحسن متميز الليلة.. الآن.."
وكان على حق...
وظني به أنه يعيد مقالته إذا هو قرأ "ثورة  غباء"، لكن هذه المرة عن الكاتبة نزيهه بنت الحسن.