امحمد الطلبه اليعقوبي

محمد بن الطلبة اليعقوبي 

1188 - 1272 هـ / 1774 - 1856 م 

محمد بن محمد الأمين بن الطلبة الموسوي اليعقوبي. 

عالم جليل، وشاعر فحل، كان سخياً راجح العقل، حلو المعاشرة، وقد حظي شعره باهتمام كبير من معاصريه ومن تبعهم. 

ولد ومات في منطقة تيرس بموريتانيا. 

له عدة مؤلفات منها: (نظم تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد) لابن مالك، و(نظم مختصر خليل) في الفقه المالكي، و(شرح لديوان الشعراءالستة الجاهليين).

أكثر من اهتم من الشعراء الشناقطة (الموريتانيين) بشعر المعارضات، هو الشاعر الكبير محمد ولد الطلبة اليعقوبي المتوفى سنة (1272هـ1856م).

هذا الشاعر الذي اشتهر في أيامه بجودة شعره وعلمه وكرمه الحاتمي. يقول صاحب الوسيط نقلا عن العلامة محمد فال بن متالي بخصوصمحمد ولد الطلبة:

(لا تكاد تعد طبقة الا بدأت به،.. إذا عد الكرام فهو حاتمهم، او العلماء اللغويون فما هو بدون ابن سيده، وكل أخباره تكتب بالذهب..).

لقد قرض ولد الطلبة الشعر في كافة أغراضه، ولم يترك مكانا في البادية الموريتانية في نواحي تيرس الا وخلد ذكره في شعر النسيب الجيد،لديه هذا النسيب المليء باللوعة والمعاناة على فراق الأحبة بفعل التأثير الدرامي للزمن، وذلك بمهجة محروقة وتأمل فلسفي عميق. ولعل أكثرغرض شعري أطنب فيه وأبدع من خلاله، هو غرض المعارضات مع الشعراء العرب في صدر الإسلام أمثال:

الشماخ بن ضرار، وحميد بن ثور، وذلك حينما نظم جيمية طويلة يعارض بها جيمية الشماخ بن ضرار الشهيرة، وميمية يعارض بها ميميةحميد بن ثور. وعندما انتهى من نظم جيميته قال: (ارجو من الله أن اقعد انا والشماخ ابن ضرار في نادٍ من أهل الجنة وننشد بين ايديهمقصائدنا لنعلم أيها أحسن؟).

ويقول ولد الطلبة في مطلع قصيدته الجيمية التي يعارض بها جيمية الشماخ:

تطاول ليلُ النازعِ المبتهجِ

أما لضياء الصبح من متبلجِ

ولا لظلام الليل من متزحزحِ

وليس لنجمٍ من ذهابٍ ولا مجِي

كأن به الجوزاءَ والنجمَ ربربُ

فراقدُها في عنةٍ لم تفرجِ

وتحسب صبيانَ المجرةِ وسطحها

تناوير أزهارٍ نبتْنَ بهجهجِ

فلو كان يفنى الهمّ أفنى مطالُهُ

همومي، ولكنْ لجَّ في غيرِ ملججِ

والقصيدة طويلة، وهي حسب رأي ناظمها اجود من قصيدة الشماخ بن ضرار العطفاني الصحابي الكبير. ولعل الحكم على القصيدتينمتروك للنقاد، لكن الحكم الذي يمكننا أن نصدره بحقهما الآن إنما هو الجزم بأن قصيدة ولد الطلبة لا تقل قوة لغة ولا شاعرية عن سابقتها.

ولعل من قرأها قبل أن يعرف صاحبها انما سيعيرها للفترة الأموية، او حتى الجاهلية، مما يعني أن الرجل شأنه شأن غيره من شعراءالصحراء الموريتانية لم يجدوا قبلة في الشعر ينقلبون إليها او يتخذونها قدوة الا قبلة عهد قوة الشعر وفحولته أيام الجاهلية وصدر الإسلام.

ولعل النظر الى مطلع قصيدة الشماخ بن ضرار ومقارنته بما اوردناه من قصيدة ولد الطلبة تزكي ما ذهبنا اليه، إذ يقول الشماخ:

ألا ناديا إظعان ليلى تعرِّجِ

فقد هجْنَ شوقا ليته لم يهيَّجِ

أقولُ وأهلي بالجنابِ وأهلها

بنجدين: لا تبعد نوى أمِّ حشرجِ

وقد ينتأي مَن قد يطول اجتماعُهُ

وتخلج أشطان النوى كل مخلجِ

الى آخر القصيدة، فهي طويلة مثلها مثل قصيدة ولد الطلبة المعارضة لها. لكن ما يجمع بين القصيدتين، من لون شعري ومتانة لغة وأصنافالهموم، واحد.

والواقع أن ولد الطلبة لم يكتفِ بمعارضة الشماخ، بل إنه عارض ميمية حميد بن ثور المشهورة بأخرى يقول في مقدمتها:

تأوبهُ طيفُ الخيالِ بمريما

فباتَ معنًّى مستجنًّا متيما

تأوبه بعدَ الهجوعِ فهاضَهُ

فأبدى من التهيامِ ما كانَ جمجما

لطاف بها حتى إذا النفسُ اجهشتْ

وابدتْ بناناً لي خضيباً ومِعْصما

تولى كأنَّ اللمحَ بالطرفِ زورُهُ

وكان وداعاً منه إنْ هو سلَّما

والقصيدة طويلة طول قصيدة حميد بن ثور، وهي كذلك شأنها شأن معارضته للشماخ لا يكاد يفصل بين شاعريتها ولغتها عن شاعرية ولغةقصيدة حميد بن ثور. والواقع أن محمد ولد الطلبة مختلف عن ولد رازقة، الشاعر الشنقيطي الذي اوردناه في المقالة السابقة، بالطابعالجاهلي الغالب على شعره.

فبينما نرى شعر بن رازقة أكثر تأثرا بشعر المدينة الأندلسية التي عرفها من خلال إقامته الطويلة في مكناسة الزيتونة وعاصمة السلاطينالعلويين ذوي الحس المدني الراقي والمرهف، فإن شعر ولد الطلبة ظل أسير البيداء الصحراء، شأنه شأن شعراء العهد الجاهلي والأموي،وهكذا حذا أثرهم في القصيدة. غير أن استلابه في البيداء لم يسلبه شاعريته الرائعة، وروعة تمثله لوقائعه مع ما طبع شعر ولد الطلبة منمسحة حكمية وفلسفية مؤثرة.
 

تطاوَلَ ليلُ النازحِ المُتَهَيِّجِ

تطاوَلَ ليلُ النازحِ المُتَهَيِّجِ

أما لضياءِ الصبحِ من مُتَبَلَّجِ

ولا لظَلامِ الليلِ من مُتَزحزَحٍ

وليسَ لنجمٍ من ذهابٍ ولا مجى

فَيا من للَيلٍ لا يزولُ كأنّما

تُشَدُّ هواديهِ إليَ هضبَتي إج

كأنَّ به الجوزاءَ والنجمَ رَبرَبٌ

فراقِدها في عُنّةٍلم تُفَرّجِ

وتحسبُ صبيانَ المجرَّةِ وسطها

تناويرَ أزهارٍ نبتنَ بهَجهَج

كأنّ نجومَ الشعريَيَنِ بمَلكِها

هجائنُ عقرى في ملاحبِ منهجِ

فباتَ يُماني الهمَّ ليلى كأنَّهُ

ببَرحِ مقامِ الهمِّ أضلُعي شَجي

فلَو كان يفنى الهمُّ أفنى مطالُهُ

همومي ولكن لجَّ في غيرِ ملجَجِ

إذا ما انتحاها منهُ قطعٌ سمت لهُ

أفانينُ همٍّ مُزعجٍ بعدَ مُزعجِ

أعِنّي علَ الهمِّ اللجوجِ المُهَيِّج

وطيفِ سرى في غيهَبِيٍّ مُدجددِ

سَرى يخبِطُ الظلماءَ من بطنِ تيرسٍ

إليَّ لدى ابريبيرَ لم يتعَرَّجِ

فلَم أرَ مثلَ الهمِّ هَمّاً ولا أرى

كلَيلةِ مَسرى الطيفِ مدلجَ مُدلجِ

وذُكرةِ أظعانٍ تربَّعنَ باللوى

لوى الموجِ فالخَبتَينِ من نعفِ دوكجِ

إلى البِئرِ فالحواءِ فالفُجّ فالصوى

صوى تشلَ فلأجوادِ فالسَفحِ من إج

تَحُلُّ بأكنافِ الزفالِ فتيرسٍ

إلى زيزَ فالأرويتينِ فالاعوجِ

إليَ أبلقي ونكارَ فالكَربِ ترتعي

به حيثُ شاءَت من حزيزٍ وحُندُجِ

ترَبّعُها حتّى إذا ما تنَجنَجَت

جوازِئُها تعدو إليَ كلِّ تولَجِ

وصَرَّت على الظُهرانِ من وهَجِ الحَصى

جَنادِبُها في لافحٍ مُتَوَهِّجِ

وَغَرَّدَ مُكّاءُ الأخِرَّةِ بالضُحى

تغَرُّدَ منزوفِ الشروبِ المزرَّجِ

بيَومٍ من الجوزاءِ تَشوي سمومهُ

جلودَ جواني الربرَبِ المُتَوَلّج

ولَفَّت نصِيَّ الفيفِ هيفٌ تسوقهُ

ونَشَّت تناهي غيثِها المُتَبَعّجِِ

وَزَفَّت إليَ الأعدادِ من كلِّ وجهةٍ

أعاريبُها من كلِّ صرمٍ منجنَجِ

ونادى منادي الحيِ مُسياً وقوّضوا

نضائدَهُم يا هاديَ الحيّ أدلجِ

وقُرِّبَتِ الأجمالُ حتّى إذا بدَت

نجومُ الثُرَيّا في الدُجى كالسمَرَّجِ

تكَنَّسنَ أحداجاً على كلِّ ناعجٍ

عبنّ بأنواعِ التهاويلِ محدَجِ

منَ القمعِ أو من نحرِ نكجيرَ يمَّمَت

معاطنَ جلوى لا تريعُ لمَن وجي

جواعِلَ ذاتِ الرمثِ فالوادِ ذي الصفا

يميناً وعن أيسارِها أمَّ هودَجِ

وتَزورُّ عن ذي المرّصيطِ فورَّكَت

لمُسيِ ثلاثٍ جُبَّهُ لم تُعَرِّجِ

فصَبَّحنَ جلوى طامِيَ الجمِّ وارتَووا

ولم ينزِلوا عن هودَجٍ خدرَ هودَجِ

وقالوا الرحيلُ غُدوَةً ثمَّ صمّموا

على مدرجٍ عودٍ لهُم أيِّ مدرَجِ

أو احتمَلَت من صُلبِ لحريشَ تنتحي

رُعيويَّةَ الأملاحِ لم تتلَجلَجِ

أو السُهبِ سهبِ التوأمَينِ فغَلَّسَت

بواكِرُها والصبحُ لم يتبَلَّجِ

ومرَّت على قلبِ الظليمِ كأنَّها

خناطيلُ زَوزَت من نعامٍ مهيَّجِ

وأمسى على كرِّ المُزَيريفِ منهُمُ

لكاكٌ كضوضاءِ الحجيجِ المُعَجعجِ

ومنهُم بأوشالِ الثدِيِّ منازِلٌ

وحيٌّ على أوشالِ هضبِ الأُفيرجِ

منازِلُ قد كان السرورُ محالفي

بها هيَ عندي بينَ سلمى ومَنعجِ

ألا ليتَ شعري هل إليهِنَّ عودةٌ

وهل أنا من غَمِّ التنائي بمُخرجِ

وهَل ليَ في أودائِها من مُعَرَّسٍ

وهل ليَ في أطلالِها من مُعَرَّجِ

فإِمّا تريني خمَّرَ الشيبُ لمَّتي

وأصبَحتُ نضواً عَن شبابٍ مُبَهَّجِ

فيا رُبَّ يومٍ قد رَصدتُ ظعائناً

بأبطحَ برثٍ بينَ قوزٍ وحشرَجِ

ظَعائنُ بيضٌ قد غنينَ بنَضرةٍ

تروقُ على غَضِّ النضيرِ المُبَهَّجِ

ظعائنُ ينميها إلى فَرَعِ العُلا

لِعامرِ يعلى كلُّ أزهرَ أبلجِ

علَيها سموطٌ من مَحالٍ مُلَوَّبٍ

من التبرِ أو من لؤلؤٍ وزَبَردَجِ

يُفَصَّلُ بالمرجانِ والشَذرِ بينَهُ

وقَد غَصَّ منها كلُّ حجلٍ ودُملُجِ

ظَعائنُ لم تألَف عصيداً ولم تَبِت

سواهرَ ليلِ الجرجِسِ المُتَهَزِّجِ

ولكن غِذاها رِسلُ عوذٍ بهازِر

مُوَرَّثَةٍ من كلِّ كوماءَ ضمعَجِ

مُعَوَّدَةٍ عقراً وبذلاً كرامُها

لضَيفٍ وعافٍ من مُقِلٍّ ومُلفجِ

مراتِعُها مرعى المَهى ورِباعُها

تُلاعِبُ من أذراعِها كلَّ بخزَجِ

ويُحدِجنَ ممّا قد نجَلنَ نجائِباً

نواعجَ أُدماً من نجائِبَ نُعَّج

ويحلُلنَ منها كلَّ ميثاءَ سهلَةٍ

وأجرَع سهلٍ بالحيا متَبَرِّجِ

فما أنسَ لا أنسَ الحدوجَ روائحاً

من أوديَةِ البطحاءِ فالمُتَمَوِّج

عوامِدَ للسطلَينِ أو هضبِ مادسٍ

نواكِبَ عن وادي الخليجِ فعَفلَجِ

يعالينَ من عقلٍ ورَقمٍ مُنَمَّقٍ

ويُسدِلنَ حرَّ الأُرجَوانِ المُبَرَّجِ

قَطيناً قطيناً فوقَ أُدمٍ كأنّها

هوادي صِوارٍ بالدماءِ مُضَرَّجِ

دَلَحنَ بأبكارٍ وعونٍ كأنّها

عقائلُ عينٌ من مطافلِ تجرَجِ

كأنَّهمُ إذ ضحضحَ الآلُ دونَهُم

خلايا سفينٍ مثقلٍ متعمِّجِ

صوادرَ من ميناء جورَ تحُثُّها

نواتيُّها في زاخِرٍ مُتَمَوِّجِ

أوِ العُمُّ من نخلِ ابنِ بوصٍ تمايَلَت

شماريخُها من مُرطِبٍ ومُنَضِّجِ

مجانينُ رقلٍ من كناوالَ ناوَحَت

فروعَ الثُرَيّا لا تنالُ بمَعرجِ

لها شَرَباتٌ قد نَصَفنَ جُذوعَها

رواءُ الأعالي حملُها غيرُ مخدَجِ

وَفي الظُغنِ مجوالُ الوِشاحِ كأنَّها

صبيرُ حيّا في بارِقٍ مُتَبَوِّجِ

تراءَت وقد جَدَّ الرحيلُ بمُشرقٍ

هِجانٍ ووضّاحٍ أغَرَّ مُفَلَّجِ

فدَبَّت حُمَيّا الشوقِ في النفسِ واصطَلَت

تباريحُ إلّا تودِ بالنَفسِ تلعَجِ

عَشِيَّةَ لا أسطيعُ صبراً ولا بُكاً

فأشفى غليلي والبُكا مَفزَعُ الشجي

وَقَد أعسِفُ الخرقَ المهيبَ اعتسافهُ

بخرقاءَ من سرِّ الهجانِ عفَنججِ

مبينَةِ عتقِ الحُرّتَينِ وخَطمُها

يُباري السنانَ غيرَ أن لم يُزَجّجِ

عجَمجَمَةٍ روعاءَ زيّافةِ السُرى

أمونٍ كبُرجِ الأندَرِيِّ المُرَزَّجِ

إذا زُعتَها بعدَ الكلالِ تَغَشمَرَت

وحَطَّت حطاطَ الجندَلِ المُتَدحرجِ

كأنّي إذا أخلَيتُها الخرقَ وارنَمَت

يداها بِرَضواضِ الحصى المُتَأَجِّجِ

على لُؤلُؤانِ اللونِ سَفعاءَ لاعَها

تشَمُّمُ أشلاءٍ بمَصرَعِ بَحزَجِ

من الخُنسِ قد باتَت وأضحَت تَعُلُّه

بعمياءَ لا تخشى بها من مهيّجِ

فلَمّا رمَتهُ في المفاصلِ نعسَةٌ

إلى بطنِ حقفٍ في الصريمَةِ أوعَجِ

تراخَت بها عنهُ المراعي فأحدَقَت

به بُؤّسٌ ما إن لها من مهَجهِجِ

بنو قفرَةٍ طُلسُ المُلا من عصابَةٍ

إذا أقدَمَت في غرَّةٍ لم تُحَجحِجُ

شرابُهُمُ دَمُّ العَبيطِ وزادهُم

فريسٌ طَريدٌ لحمُهُ غيرُ مُنضجِ

فَراحَت لعَهدٍ كان منهُ فَلَم تَجِد

سوى جَلَدٍ أو عظمِ رأسٍ مُشَجَّجِ

فجالَت قليلاً وانثَنَت تَستَخيرهُ

ولم تدرِ أن مَّن يَعلَقِ الحتفُ يُخلَجِ

فطافَت بهِ سبتاً تُرَجّي إيابَهُ

وأنّى لها هيهاتَ ما هيَ ترتَجي

فلَمّا ذَوَت قِردانُ ضَرَّتِها طوَت

على عَلَهٍ يَأساً مُبيناً لمَن شجي

فباتَت على فَردٍ أحمّ كأنَّها

تلالؤُ مقباسٍ يُشَبُّ لمُدلجِ

تُقَطِّعُ من عَزفِ الفلا جِرراً لها

حِذاراً فمَهما يعزِفِ الدَوُّ تَمجُجِ

تَغَصُّ بها من إن تكادُ تُسيغُها

فتُلقي لُفاظاً من لُعاعٍ ورِجرجِ

فلَمّا سرا عنها الدُجى الصبحُ آنسَت

بهِ جرسَ ذي طمرَينِ بالصَيدِ مُلهجِ

أخي سبعةٍ أو تسعَةٍ قد أعدَّها

لأمثالِها من كلِّ شَهمٍ مُحَرَّجِ

يَحُثُّ ضراءً كالِحاتٍ كأنَّها

قِداحُ مفيضٍ بالمَغاليقِ مُفلِجِ

مصاريعَ وحشٍ ضارياتٍ تعوَّدَت

مُغارَ الصباحِ من ضِراءِ ابن الأعوجِ

فَما نَرَّ قرنُ الشمسِ حتّى غشينَها

وجَدَّت نجاءٌ غيرَ نُكدٍ ولاوَجِ

فألقَت معاً أرواقَها وتَمَطَّرَت

على إثرِها مستضرِماتٍ بِعَرفَجِ

فأقصَرنَ عنها بعدَ شَأوٍ مُغَرِبٍ

ومرَّت كمِصباحِ السماءِ المُدَحرَجِ

تساقَطنَ حسرى بينَ وانٍ مغَوِّرٍ

وكابٍ بمَكنونِ الحشا مُتَضرِّجِ

كأنّي إذا ما شَبَّتِ المُعزُ نورَها

على تلكَ أو هيقٍ هجَفٍّ هَزَلَّجِ

أزَجَّ من الزُغرِ الظنابيبِ مُعرسٍ

بخَرجاءَ هوجاءِ البُرايَةِ عوهَجِ

يعودانِ زُعراً بالخَميلَةِ دَردَقاً

ومَرصوصَ بيضٍ حولَها لم يُنتَّجِ

يظَلّانِ في آءٍ وشَريٍ طباهُما

بأقرحَ من أري الرواعدِ أدعجِ

تُزايُلُهُ طوراً وتَأوي فأمسَيا

بمُنتَزَحٍ والشمسُ بالمُتَعَرَّجِ

فَهاجَهُها جُنحَ الظلامِ ادِّكارهُ

فَزَفّا لهُ في أنفِ نكباءَ سَيهَجِ

وقَد أصحَبُ القومَ الكريمَ نجارُهُم

وخيمُهُمُ من كلِّ أروَعَ مِعنَجِ

يحوطُ المَداعي والمساعي مُرَزّإٍ

تَقِيٍّ نَقِيِّ العرضِ غيرِ مُزَلَّجِ

عَلَيهِ قبولٌ يغمُرُ الحيَّ سيبهُ

إذا لم يكن في الحيِّ ملجا لمُلتجي

كرامٌ صَفَت أخلاقُهُم وتمَحَّضَت

وليسَ الصريحُ المحضُ مثل المُمُزَّجِ

أُلائِكَ أخداتي فأصبحتُ بعدَهُم

أُسايرُ خلفاً نهجُهُم غيرُ منهجي

يرونَ جميلاً ما أتوا من قَبيحِهِم

فَيا للإلهِ للسّفاهِ المُرَوَّجِ

تأوَّبَهُ طيفُ الخيالِ بمَريما

تأوَّبَهُ طيفُ الخيالِ بمَريما

فباتَ مُعَنّىً مُستجَنّاً مُتَيّما

تأوبَّهُ بعد الهجوعِ فهاضَهُ

فأبدى من التهيامِ ما كان جمجَما

لَطاف بها حتّى إذا النفسُ أجهَشَت

وأبدت بناتاً لي خضيباً ومعصَما

ووَجهاً كأنَّ البدرَ ليلَةَ أربَعٍ

وعشرٍ عليهِ ناصِلاً قد تهَمّما

تولّى كأنَّ اللمحَ بالطرفِ زَورُهُ

وكانَ وداعاً منهُ أن هو سلّما

فمن ذا ولا من ذا رأى مثلَ زورهِ

ومِثلَ الذي بينَ الجوانحِ أضرَما

فباتَ الهوى يستَنُّ بي هيجانُهُ

فأسدى بِلُبّى ما تبَغّى وألحَما

وَبِتُّ بِهَمٍّ لا صباحَ لِلَيلهِ

إذا ما حداهُ الصبحُ كرَّ ودَوَّما

فَقُلتُ أما لِليلِ صبحٌ كما أرى

أم الصبحُ مِمّا هيَّجَ الطيفُ أظلَما

بلى كُلُّ لَيلٍ مُصبِحٌ غيرَ أنّني

أرى الصبحَ يا للنّاسِ للصُبحِ أنجما

ألا يا خليلَيَّ ارحَلا وتيَمَّما

بنا حيثُ أمسى رائدٌ الظُغنِ يَمَّما

فكيفَ القرارُ بعدَ ما قيلَ يَمَّمَت

مرابِعَها بالحُوِّ أظعانُ مريَما

ظعائنُ يهديهِنَّ في كُلِّ نُجعَةٍ

منَ القومِ مئنافٌ إذا هَمَّ صمَّما

تحمَّلنَ أن قد شِمنَ من جالِ تيرسٍ

مُخيلاً بها ألقى البعاعَ ودَيَّما

فخَبَّرَهُم رُوّادُهُم بعد سبعَةٍ

بما سرَّهُم أن جادَ فيها فأفعَما

وجَرَّ على أنجادِها ووِهادِها

منَ الوشيِ حوكاً سُندُسِيّاً وأنعَما

فَمَن يكُ يوماً ذا عَزاءٍ وسلوَةٍ

لطولِ تناءٍ أو لوَصلٍ تصرَّما

فلَستُ بناسٍ يومَ ولَّت جمالُهُم

وسالَ بِهِنَّ الفُجُّ بالظُعنِ عُوَّما

هجائنُ بيضٌ من عقائلِ عامِرٍ

جمَعنَ إلى الأحسابِ حُسناً وميسَما

تخَيَّرنَ للأحداجِ كُلَّ مُنَوَّقٍ

منَ البُزلِ فعماً قيسَرِيّاً عَثمَثما

يَزيفُ بمِبهاجٍ كأنَّ مُروطَها

تُخالُ بِرئمٍ من غُشَيواءَ أرثَما

جَعَلنَ عَلى الأحداجِ خَملاً وَكِلَّةً

وعالَينَ رقماً عَبقَرِيّاً مُنَمنَما

تَظَلُّ عتاقُ الطيرِ في كُلِّ رِحلَةٍ

إليهِ مديماتٍ عكوفاً وحُوَّما

كَأنَّ العيونَ اللامحاتِ إذا بدا

تَمُجُّ عليهِ أُرجُوّاناً وعندَما

فَلَم أر يوماً كانَ أحسَنَ منظَراً

وأهوى هوىً يقتادُ صَبّاً مُتَيّما

وآنسَ أُنساً لو يرامُ منالُهُ

وألهى لُهِيّاً للصديقِ وأصرَما

وللّهِ عينا من رأى مثلَ سيرِها

إذا رجّع الحادي بهنَّ وهمهَما

سَلَكنَ جواءَ الفُجِّ ثُمَّ تطَلَّعَت

من الصخرَةِ البيضاءِ نجداً مهضَّما

جعَلنَ قنانَ الوطسِ نُصبَ عيونِها

وكان لهُنَّ الوُطسُ قدماً مُيَمَّما

ويا منَّ عن نجدِ القُوَيرِ ويا سَرَت

عنِ الأيقِ نُكباً سيرُها لن يُثَمثَما

وحَلَّت ببَطنِ الأتو مُسياً وما بهِ

علاقٌ فباتَ الظهرُ حدباً مزمَمّا

وأبكَرنَ يخبِطنَ الجفاجفَ غُدوَةً

كأصرامِ عيدانٍ أنى أن تُصَرّما

فألقَت على الكِنوَينِ من نسجِ سدوِها

هجيراً برأيٍ محكَمِ النسجِ أقتَما

يُحاوِلنَ بالسَبعِ الأُضيّاتِ مشرَباً

من الغُدرِ أو عَيناً بجَلواءَ عَيلَما

وَرَوضاً بأكنافِ الأماكرِ زاهِراً

قَدَ ارزمَ فيه الرعدُ سَبتاً وزَمزَما

فألقَت عِصِيَّ السيرِ فيه وخيَّمت

بحَيثُ بعاعُ المُزنِ سحّ وخيّما

عَسى اللَهُ يُدني بعد بعدٍ مزارَهُم

فيأنسَ صبٌّ بعدَ حزنٍ ويَنعَما

فهَل تُبلغنّيهِم نجائبُ وُخَّدٌ

شوازِبُ لا يُبقينَ للّيلِ محرَما

نجائبُ يحدوها سرى وتهَجُّرُ

يُباري بها الدَوُّ النعامَ المُخَزّما

نجائبُ لا يعطِمنَ للهوَلِ كلًَّما

تغَوَّلَ مجهولُ التنائفِ معظَما

تَخَيَّرت منها لاهتمامي عرَندساً

يخالُ على الترحالِ والحلِّ مقرَما

بُوَيزِلَ عامٍ كالمصادِ عُذافِراً

كأنَّ علَيهِ خدرَ حدجٍ مُخَيّما

ذِفِرٌّ خَروسٌ لو تُوَلّي لرَحلهِ

بحَدِّ المواسي زَمَّ أن يتزَغَّما

كأنّي أُداري إذ علَوتُ قُتودَهُ

بهِ أبلَقَ الكَشحَينِ جأباً مُكَدَّما

قُوَيرِحَ عامٍ أو رباعٍ خلا لهُ

مجَرٌّ بحَنّانِ منَ الدلوِ أسحَما

كأنَّ رُباهُ والهجولَ تجَلَّلَت

زَرابيَ أو وَشياً يمانٍ مُسَهَّما

يَدينُ بهِ حُقبٌ سماحيحُ باكَرَت

لُعاعَ تناهي روضِهِ حين وشَّما

كأنَّ صُراخَ المُستَغيثِ سحيلُهُ

بكُلِّ صباحٍ غيرَ أن كان أعجَما

يَدِنَّ لهُ حتّى قرِبنَ ذِنابَهُ

وأحسَسنَ لقحاً عن حيالٍ مُكَتّما

وقد جعَلَت ليّاً بأذنابِها لهُ

إلى السلمِ من بعدِ المُناواةِ سُلَّما

يحوِّزُها في كُلِّ فجٍّ كأنّها

وسيقَةُ ناجٍ من عداً نالَ مغنَما

فأبدَينَ عن شَغبٍ ضِباباً طوَينها

علَيهِ بما قد نالَ منهُنَّ مُرغِما

وشَدَّ عليها بالعَضيضِ كأنَّهُ

من الغيظِ مجنونٌ وما عضَّ جرجَما

يَظَلُّ رقيباً حولَهُنَّ كأنَّهُ

ربيءٌ علا مِن ميفَعٍ مُتَسَنّما

فَلَمّا جرَت هيفُ الجنائبِ بالسفا

وأيقَنَّ أنَّ الجزءَ فيه تصرَّما

ولَوَّحَها هيجُ السمومِ وسومُها

فظَلَّت صُفوناً بالظواهرِ صُيَّما

توَخّى بها عيناً روىً قد تعَوَّدَت

بها الرَيَّ قِدماً بالمصايفِ مَعلما

فشَجَّ بها الحِزّانَ شجّاً كأنّما

تَشُبُّ على الحُزّانِ غاباً مُضَرّما

أو أروحَ هيقاً خاضباً مُتَروّحاً

يُبادِرُ أغوالَ العَشِيِّ مُصَلَّما

تهيجَ للأُدحِيِّ من نازِحٍ غَدا

يَجولُ لهُ في يومِ ريحٍ تغَيَّما

فَلَمّا دَنا الإمساءُ والشمس حَيَّةٌ

تَذَكَّرَ أقواباً وقَيضاً مُحَطّما

تَحَطَّم عن زُعرِ القوادِمِ خُرَّقِ

كَمِثلِ أُرومٍ من حُلِيٍّ تجَرثَما

ألا عجِبَت جملٌ سفاهاً وما رأت

بديئاً لشَيبٍ بالمَفارِقِ مُعلما

وقد زَعَمَت أنّي كَبِرتُ وأكبَرَت

صبايَ ولم تنقِم لعمرُكَ معظما

وَقَد هَزِئَت رأتنيَ شاحِباً

وهُنتُ علَيها بعدَما كنتُ مُكرَما

ألَم تعلمي أن لا غضاضَةَ أن يُرى

كريمٌ بيضاءٍ المحاجِرِ مُغرَما

وأنَّ الجُرازَ العَضبَ يخلُقُ غِمدُهُ

ولا عيبَ إنَّ العيبَ أن يتكَهَّما

ولكِن سَلي عنّي دخيلي إذا شتَوا

وأخلَفَ ما شيهمِ ذراعاً ومِرزَما

كأنّي لَم أركَب للهَو ولم أنَل

منَ البيضِ وصلا آمِناً أن يُصَرّما

ولم أُسهِرِ الفِتيانَ ليلَ مَلَذَّةٍ

طويلاً ألا يا رُبَّ ليلٍ قد اسأما

ولَم أتلافَ الظُعنَ قصراً بحاجِرٍ

على إثرِ حيٍّ مدَّ سيراً وأجذَما

ولَم أُعملِ العيسَ المراسيلَ بالفَلا

لأبنيَ مجداً رُكنُهُ قد تهَدَّما

ولم أهدِ بالموماةِ رَكباً ولَم أرِد

بهِم أُخريَاتِ الليلِ ماءً مُسَدَّما

ولَم أردُدِ الألوى الألَدَّ كأنَّهُ

أميمٌ كما عنّى المُعَنّي المُسَدّما

ولَم أُفحِمِ الخنذيذَ في يومِ مجلسٍ

منَ الناسِ مشهودٍ وما كان مفحَما

أتى ثانياً من جيدهِ مُتَخَمِّطاً

يمُجُّ لُغاماً مستطيراً وبلغَما

فَصَدَّ صدودَ المستكينِ كأنَّهُ

من الذلِّ محسومُ الخِصاءِ وأحجَما

أرانا لصرفِ الدهرِ صرعَينِ مقعَصاً

فمُصمىً ومنمىً إن تخطّاهُ أهرَما

وما مات مَن أبقى ثناءً مخَلَّداً

وما عاشَ من قد عاش عيشاً مذمَّما

وما المجدُ إلّا الصبرُ في كل موطن

وأن تجشَمَ الهولَ العظيمَ تكرُّما

وما اللؤمُ إلّا أن يرى المرءُ غابطاً

لئيماً لمالٍ في يدَيهِ إن اعدَما

فذاكَ الذي كالمَوتِ في الناسِ عَيشُهُ

ومَن عدَّ مالاً مالَهُ كان ألأما

وما الدهر إلّا بينَ لينٍ وشِدَّةٍ

فمَن سرَّ مسياً فيه أصبح مُرغَما

وما الحَزمُ إلّا مرَّةُ النفسِ تُقتَنى

لشِدَّتهِ من قبلِ أن تتَحَكّما

وما العجزُ إلّا أن تلينَ لمَسِّها

فتَضجَرَ من قبلِ الرخاءِ وتسأما

وليسَ الغنى إلّا اعتزازَ قناعَةٍ

تُجِلُّ أخاها أن يذلَّ ويُشتما

وما الفقرُ إلّا أن يُرى المرءُ ضارِعاً

لنكبَةِ دهرٍ قد ألمَّ فيَقحَما

وخيرُ الرجالِ المُجتدى سيبُ كفِّهِ

وأجرَؤُهم عندَ الكريهةِ مُقدَما

وَشَرُّ الرجالِ كلُّ خَبٍّ مرامقٍ

إذا ما دعا الداعي لأمرٍ تلعثَما

تجنَّبُ صحابَ السوءِ ما عشتَ إنَّهم

لكالجُربِ يُعدينَ الصحيحَ المُسَلّما

وراعِ حدودَ اللَهِ لا تتعَدّها

وصَغِّر وعظِّم ما أهانَ وعظَّما

وراعِ حقوقَ الضيفِ والجارِ إنَّهُ

لعَمرُكَ أوصى أن يُبَرَّ ويُكرَما

وإن جهِلَ الجُهّالُ فاحلُم ورُبَّما

يكونُ عليكَ العارُ أن تتحَلَّما

وبِالحَسَنِ ادفَع سيّئاً فإذا الذي

يعاديكَ كالمولى الأحمِّ وأرحَما

ولا تقرَبَنَّ الظلمَ والبغيَ فاطَّرِح

فغِبُّهُما قد كانَ أَردى وأشأما

وما البِرُّ إلّا اليُمنُ والعدلُ والتُقى

وما الشؤمُ إلّا أن تخونَ وتأثَما

 إن لي بالدموعِ سبحاً طويلا

 إن لي بالدموعِ سبحاً طويلا

لا أذوقُ المنامَ إلّا قليلا

من هَوى خدلَةٍ متى تلقَ مرءاً

تأخُذِ القلبَ منهُ أخذاً وبيلا

لو غَدا بالجِبالِ ما بِفُؤادي

من هواها غَدَت كثيباً مهيلا

قُلتُ للعاذلينَ فيها وقد قا

لوا سنُلقي عليكَ قولاً ثقيلا

لا تلوموا فيها لو انَّكم

أحسنُ رأيا منّي وأقوَمُ قيلا

قد نَهَيتُ الفؤادَ عنها ولكن

طالَ ما قد طغى وساءَ سبيلا

أيُّها القلبُ عدِّ عن سنَنِ البا

طلِ واهجُر ذَويه هجراً جميلا

والزمِ الصبرَ في الأُمورِ جميعاً

واعبُد ِاللَهِ واتِّخِذهُ وكيلا

وادعهُ أن يُنيلكَ الفوزَ والسؤ

لَ وسبَّحهُ بُكرةً وأَصيلا

وعدَ اللِهُ بالإجابةٌ داعي

هِ وقد كان وعدُهُ مفعولا