نُورُ الخُطَى

ها قَدْ وَقَفْتُ بِبَابِ مَدْحِكَ أَجْـرَدْ

إِنّ الوُقُـوفَ بِظِـلِّ صَفْـوِكَ أَسْعَـدْ

 

تهفُــو لَكَ الأَقْــلاَمُ بيـن أَنَامِلِـي

وَالحِـبرُ غـرد فِـي بياضك يصعَـدْ

 

هَلْ كُنْتُ فِـي سَفَهٍ لأزْجُـرَ مَدَّهَـا

وَالحَـرْفُ يَذْكُـرُ أَنَّ نَبْعَـكَ أَبْـرَدْ؟

 

الأَرْضُ تُنْبِتُ مِـنْ خُطَـاكَ تَوَلُّهـا

جَعَـلَ التَّنَـزُّهَ فِـي رُبُوعِكَ أَجْـوَدْ

 

أَنْتَ السَّمَـاءُ، إِلَيْكَ أَرْفَعُ أَحْرُفِـي

شَوْقًـا تَجَسَّـدَ حَيْثُ يَهْتِفُ مُقْعَـدْ

 

مَـا لِلْحَقِيقَــةِ حِينَ بَشَّـرَ قَدْحُهَـا

مِنْ فَجْرِ بَعْثِكَ فِي العَوَالمِ تُجْلَـدْ؟

 

أَعْيَتْ مِن الكَيْـدِ العَظِيـمِ عُتَاتَـهُ

حَتّـى تَوَسّــعَ لِلْهِدَايَــةِ مَشْهَــدْ

 

أَ لأَنَّكَ الصُّبحُ المُضاحِكُ فيِ الرُّبَى

لَـوْنَ الزُّهُـورِ ـ تنفســا ـ فَتَعَـدَّدْ؟

 

أَمْ أَنَّـكَ الشَّـــوْقُ الذِي يَجْتَــرُّهُ

نَبْضُ القُلُـوبِ وَرُوحُــهُ تَتَجَـدَّدْ؟

 

أَمْ صَفْوُكَ المِسْـكُ الزَّكِـيُّ أَرِيجُـهُ

كُــلُّ الرِّئَــاتِ بِنَفْحِــهِ تَتَمَــدَّدْ

 

تُرْسِي السُّطُورُ عَلَى الصَّحَائِفِ نُورَهَا

مِنْ عِطْـرِ ذِكْــرِكَ، وَالـرُّؤَى تَتَـوَرَّدْ

 

رُوحِي وَرَبِّ العَـرْشِ تَشْهَدُ بِالذِي

عَبـرَ الأَمِـينِ إِلَـى فُـؤَادِكَ مُسْنَــدْ

 

يَا مَنْ قَطَعْتَ عَلَى سَبِيلِكَ مَوْقِـدًا

وَالكُلُّ يُمسِكُ فِـي العِبَـادَةِ مِقْـوَدْ

 

كَانَتْ أَكُفُّ الزُّورِ تَجمَـعُ قَطْفَهَـا

وَالصَّخْـرُ أَظْلَمَ فِـي المَنَازِلِ يُعبَـدْ

 

ظُلْـمٌ يَمُـدُّ عَلَـى البَرِيَّــةِ جَمـرَهُ

كُــلُّ الصُّـدُورِ بِغَمْــرِهِ تَتَنَهَّـــدْ

 

لم يَجْحَـدُوكَ وَأَنْتَ كُنْتَ أَمِينَهُـمْ

وَالآيُ جَـاءَ عَلَى الأَمَانَـةِ يَشْهَــدْ

 

لَكِنَّمَــا بِالمَــاءِ .. كَـذَّبَ طِينُهُـمْ

مَـا إِنْ أُرِيدَ إِلَـى الجَنَـائِنِ يَرْتَـدْ

 

هَـلْ جَـرَّدَ التَّارِيـخُ وَجْهَ حَقِيقَـةٍ

مِثْلَ الَّتِـي جَعَلَتْ حِـرَى تَتَفَـرَّدْ؟

 

أَمْ أَسْبَلَ الإِحْسَــانُ قَبْلَكَ نُضْـرَةً

فِـي صَرْحِهَـا وَجْهُ الحَيَــاةِ مُمَـرَّدْ

 

الأَرْضُ تَدْفَعُ عَنْ خُطَى النُّورِ الذِي

يَسْعَـى لِيَثْـرِبَ وَالصَّدَى يَتَوَحَّـدْ

 

السَّابِقُـونَ نَصَبْتَ مِصْعَدَ سَبْقِهِـمْ

وَالنَّاصِـرُونَ لَهُـمْ تَجَهَّـزَ مِصْعَــدْ

 

وَخَـوَارِقُ الأَكْـوَانِ تُبْهِتُ مَنْ رَأَى

وَالمُعْجِـزَاتُ مَـعَ الرِّسَـالَةِ تَحْتَـدْ

 

تَرْنُو لَكَ الأَعْنَـاقُ تَسْتَبِقُ النَّـدَى

وَالرِّيـقُ أَوْشَـكَ بِالحَنَاجِـرِ يَنْفَـدْ

 

اللَّيْـلُ يَقْفُــو لِلسُّطُــوعِ مَنَــازِلاً

كُلُّ النُّجُـومِ عَلَى المَوَاقِـعِ تُرْصَـدْ

 

فَرَفَعْتَ مِنْ رُتَبِ الدُّعَـاءِ، فَأَقْبَلَتْ

جُنْــدُ السَّمَــاءِ سُيُوفُهَــا تَتَوَقَّــدْ

 

حَتَّـى نَثَرْتَ عَلَى الرِّمَـالِ بَشَائِـرًا

ظَـلَّ العَمَـى فِـي وَهْجِهَــا يَتَبَـدَّدْ

 

يَا مُلْبِسَ الصَّلْصَـالِ فِـي عَتَمَاتِـهِ

حُلَـلاً غَــدَا مِـنْ نُورِهَــا يَتَعَبَّـدْ

 

تَسْعَى عَلَى دَرْبِ الشُّعُـورِ فَيُبْتَنَـى

فِــي كُــلِّ قَلْبٍ بِالإِنَــارَةِ مَعْبَــدْ

 

صَمْتُ المَنَــارَةِ يَسْتَجِــيرُ بِرَبِّهَــا

وَالرُّكْــنُ أَقْبَــلَ نَحْـــوَهُ يَتَــوَدَّدْ

 

أَوْجَفْتَ بِالإِشْرَاقِ تَقْذِفُ مَا مَضَى

وَجَعَلْتَ بِالإِبْلاَجِ يُغْـرَسُ أَرْشَــدْ

 

مَـا لِلْعُقُولِ تَلُـوكُ مُوحِشَ غصَّـةٍ

وَالمُـزْنُ أَبْيَضُ فِـي المَرَابِـعِ يَمتَـدْ!

 

يَـا رَحْمَــةً لِلْعَـالَمِــينَ تَنَـزَّلَتْ

وَقُطُـوف دَهْـرٍ لِلْمَحَامِـدِ تُقْصَـدْ

 

الخَـيْرُ يُجْمَـعُ فِـي يَمِينِكَ رُزْمَــةً

وَالمَكْرُمَـاتُ عَلَـى سَبِيلِكَ أَحْمَـدْ

 

أَوْدَعْتَ فِـي نُسُـجِ الهَشَاشَـةِ قُـوَّةً

وَإِضَـاءَةً كَـانَتْ بِلَفْظِـكَ تُحْشَـدْ

 

وَمَزَجْتَ مَرْكَزَهَا القَدِيمَ بِحِكْمَـةٍ

فَإِذَا الهُـدَى مِنْ بَعْدِ مَزْجِكَ أَمْـرَدْ

 

بِكَ سَيِّـدِي لِلْكَــوْنِ أَجْمَـلُ قُبَّـةٍ

وَالكَائِنَــاتُ بِظِلِّهَـــا تَتَهَجَّـــدْ

 

يَـا أَرْفَـعَ الخُلَصَـاءِ نُورُكَ يَرْتَقِـي

مِلْء القُلُـوبِ، وَصَرْحُ دَرْبِكَ مُفْرَدْ